قبل أن نشرع فى تشكيل ائتلاف حزبى يكون الظهير السياسى للحكومة ودمج الأحزاب المعارضة ليكون وجودها حقيقيا وليس ورقيا أو هامشيا، علينا بإعادة تشكيل الوعى السياسى ومعالجة الخلل الذى صاحب ولادة الأحزاب السياسية، حتى نتجنب الأعراض السلبية التى تزخر بها حياتنا السياسية من جانب الأحزاب المؤيدة والمعارضة، وأهمها، الاعتقاد السائد لدى كثير من المعارضين أن دورهم هو الاعتراض على كل ما يصدر عن الحكومة، سواء كان جيدًا أو سيئًا، وسواء كان مليئا بالإيجابيات أو به بعض السلبيات، وأن على المثقف المعارض أن يتصيد الأخطاء أو حتى يفتعلها، وأن دوره هو تسويد وجه الحكومة ونعتها بأسوأ الألفاظ وإلا نظر إليه المعارضون على أنه محدود الكفاءة، لا يستحق أن يكون قياديا، فكلما تشنجت أكثر وشككت أكثر وأكثر، تستحق أن تحتل صدارة المعارضين، وإذا سنحت الفرصة للتظاهر السلمى فعليه أن يرفع الصوت عاليا، بإسقاط النظام، وليس التعبير عن موقف مغاير، أو لفت الانتباه إلى قضية ما، مثلما هو الحال فى الدول الديمقراطية العريقة، أو حتى معظم دول العالم الثالث، التى تسعى لانتهاج الديمقراطية.
مثل هذا الأسلوب المراهق لهذا النوع من المعارضة يكون من شأنه تراجع، أو ربما انتكاسة لأى تطور ديمقراطى حقيقى، وتضطر الدولة إلى تفريق المظاهرة التى تخرج عن حدود هدفها، وتضر بالصالح العام، وتتحول إلى اضطراب قد يلحق ضررا كبيرا بالجميع.
وهنا يظهر من بين المؤيدين من يدعو إلى وصم كل المعارضين بالخيانة والتخريب، والدعوة إلى اقتلاعهم، وهذا المنحى الاستئصالى ضار أيضا ويضع الدولة على قوائم انتهاك حقوق الإنسان، وللأسف هذه الظاهرة متفشية فى ثقافتنا السياسية المختلة، والتى تحتاج إلى علاج، فدور الأحزاب التى لا تشارك فى الحكم، ليس التنديد والتصيد والمكايدة السياسية، وإنما تقديم وجهات نظر بديلة لما تراه من سلبيات هنا أو هناك، ويمكن للحكومة أن تتبناها، أو تجرى تعديلات تأخذ ملاحظات المعارضة فى الحسبان أو تنتظر نتائج قراراتها، وتعتبر أن ما قررته صواب يحتمل الخطأ.
إن تعديل مثل هذه الثقافة السائدة فى الحياة السياسية يستحق التوقف والعلاج أولا، وبعدها نرى كيف يمكن أن نعيد إنتاج الأحزاب السياسية بولادة طبيعية وناجحة، وليس كميلادها السابق بقرارات فردية، وتتصدره الشخصيات الطموحة للمناصب والنفوذ، وليس الخدمة الوطنية العامة. وأن تدرك هذه الأحزاب أن هناك مشتركات وطنية يجب أن تكون جامعة، وأن أى حكومة مهما كان ظهيرها السياسى يجب أن تراعى تلك المشتركات الوطنية، وأهمها سيادة الدولة على أراضيها ومواجهة أى عدو لها، والعمل على تحقيق تنمية شاملة، تدفع الناتج الوطنى لننتج أكثر مما نستهلك، فلا نرتهن للقروض أو المساعدات أو الضغوط.
أزمة السد الإثيوبى وزراعة الأرز
من بين القضايا الجامعة أن نواجه التحدى الذى يمثله بناء السد الإثيوبى دون تهوين أو تهويل، فالخلاف مع إثيوبيا ليس على إقامة السد، فلا ننكر حقها من الاستفادة من مياه النيل، مادامت لا تضر دول الممر والمصب، وإنما الخلاف حول قضيتين أساسيتين، أولاهما، الوقت الذى تُملأ فيه بحيرة السد، والتى تريدها 3 سنوات بينما تطالب مصر بتمديدها على فترة أطول، حتى لا يحدث نقص ملموس فى تدفق المياه. والقضية الثانية هى الاعتراف الرسمى بحصة مصر من المياه، وعدم التأثير عليها، لكن التهويل بأن السد ليس هدفه إلا تعطيش مصر، فهو مبالغة، لأنه سد لإنتاج الكهرباء، فيجب أن تدفع إثيوبيا بالمياه لتدور التوربينات فتتدفق المياه لينتج السد الكهرباء، يعنى أن تمر المياه التى لا يمكن لإثيوبيا احتجازها وإلا غرقت.
أما عن تقليص المساحات المزروعة بالأرز فهى سياسة زراعية قديمة تعود لما قبل طرح إنشاء السد الإثيوبى، وتأتى فى إطار الحفاظ على مياه الرى، وعدم هدرها فى المحاصيل شديدة الاستهلاك للمياه، وأهمها الأرز الذى ينمو فى أراض مغمورة تماما بالمياه لعدة أشهر، وعلينا ألا نثير الفزع ولا نروج لأن الأرز أو السكر سيرتفع ثمنهما، فيندفع الناس إلى التخزين، فيؤدى هذا إلى نفاد الكميات المطروحة، فيرتفع الثمن كثيرا، ويكون سلوكنا غير الرشيد هو السبب وليس تقليص المساحة المزروعة بالأرز، وأن نبحث عن سلالات من الأرز أقل استهلاكا للمياه، وأن نسعى إلى تطوير أساليب الرى العتيقة المهدرة للمياه، لأن عدد السكان ارتفع ونصيبنا من المياه ثابت، ولهذا علينا بذل الجهد فى الترشيد واستخدام تقنيات أفضل.
نعمة مياه الأمطار
بدلا من أن يكون سقوط الأمطار مصدر فزع وخوف من أن تغرق شوارعنا وتضر أراضينا، وتسبب ما حدث من أضرار فى القاهرة الجديدة، فعلينا أن نحسن استغلال هذه الأمطار، التى تعتبرها كل بلدان العالم مصدر خير، خاصة أن بلادنا لا تشهد أعاصير خطيرة أو سيولا جارفة، وإنما كميات من الأمطار، يمكن أن تكون مصدرا للخير، بحسن تصريفها فى الترع، وقنوات الرى أو تخزينها فى سدود صغيرة فى المناطق الجبلية والصحراوية، وهو ما تقوم به وزارة الرى، التى أعلنت عن تخزين 25 مليون متر مكعب من المياه فى أسبوع واحد، وأنها بصدد استكمال تطهير مخرات السيول، والاستفادة منها، لتعم الفائدة من الأمطار، بدلا من الخوف من أضرارها، لكن على هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، أن تنفذ المشروعات والمواصفات التى وضعتها وزارة الرى موضع التنفيذ، حتى تتجنب حدوث أضرار وحوادث ناجمة عن السيول والأمطار الغزيرة من ناحية، وأن تتحول إلى نعمة وليست نقمة ولا تتكرر أزمة أمطار أحياء التجمع فى القاهرة الجديدة.
شمعة المدارس التجريبية
أثار قرار الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم بإلغاء المدارس التجريبية حالة من القلق والتوجس، خاصة أن هذه المدارس حققت نجاحًا ملحوظًا، واكتسبت ثقة أولياء الأمور، ولا يمكن أن نحول المدارس المتطورة ولو قليلا إلى مدارس عادية، والتى نعرف جميعا ما تعانيه هذه المدارس من إهمال، إلا إذا استطاعت الخطة الجديدة لتطوير المدارس أن تضعها فى مكانة لا تقل عن المدارس التجريبية، عندئذ لا يكون هناك فرق مادام التطوير يشمل جميع المدارس الحكومية، فإذا حققت الطفرة التى ينشدها الوزير ونتمناها، فإننا سنؤيد توحيد التعليم الأساسى كله فى منظومة متطورة، وإذا ظهر خلل فى التطبيق، فلا يمكن أن نطفئ شمعة المدارس التجريبية، حتى لا نخسر خدمات مدارس نجحت وتميزت.
وفى كل الحالات، أتمنى أن يحظى أى قرار يخص التعليم بدراسة ميدانية واسعة، ويخضع لنقاش مجتمعى، يضم خبراء تربويين وممثلين عن المعلمين وأولياء الأمور والطلاب، هكذا يفكر العالم، ولا يخالجنى شك فى أن وزير التربية والتعليم يعى أهمية تلك الخطوة فى تحقيق أهداف التطوير.
الأهرام ويوسف إدريس
قرر الأهرام الاحتفاء بكبار كتابه، وأن يصدر ملاحق خاصة عن إبداعاتهم وحياتهم، ويلقى الضوء على جوانب حياتهم، فهم منارات ملأت مصر إبداعًا، وإرث الأهرام الذى نعتز به وكنزها الثمين، والملىء بنفائس المبدعين، وبدأنا اليوم باكورة هذه الملاحق عن الأديب والكاتب الفذ الدكتور يوسف إدريس، الذى أفردنا صفحات عن حياته، والتقينا زوجته السيدة رجاء الرفاعى وابنته السيدة نسمة، وأنارتا لنا بعض الجوانب الخفية من حياة الراحل الكبير، وأهديتا الأهرام مكتبة قيمة وأرشيف صور غنيا، وعايشنا مع أسرة الأديب الراحل محطات مهمة فى مسيرته وآرائه التى نأمل أن تكون نبراسا للأجيال الجديدة، وجسرا للتواصل مع جيل العمالقة، الذين كانت ومازالت إبداعاتهم تدهشنا بعمقها الإنسانى ومتعتها التى لا تجف، لننهل منها معا، وتكون معينا لأجيال جديدة من المبدعين.
نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع