بقلم - عـــلاء ثابت
خلال الشهر الجارى قطع الرئيس السيسى أكثر من 17 ألف كيلو متر، وانتقل من بكين فى أقصى الشرق إلى نيويورك فى أقصى الغرب، ليحقق نجاحا غير مسبوق فى زيارتيه إلى كل من الصين والولايات المتحدة، فى الزيارة الأولى إلى الصين كانت إحدى النتائج أكثر من 18 مليار دولار استثمارات صينية، أما زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، فقد تحققت مكاسب سياسية تفوق المكاسب الاقتصادية، ليس لأن الإدارة الأمريكية ألغت تجميد المساعدات الاقتصادية، بل لأن القرار جاء كرمز لمكانة وأهمية مصر دون أن تطلبه، بل كان الرئيس السيسى أحد ستة رؤساء فقط طلب الرئيس الأمريكى ترامب أن يلتقى بهم من بين 95 من قادة الدول ، وأعرب ترامب عن فخره وتقديره باللقاء مع الرئيس السيسى الذى جرى تمديده أكثر من مرة، رغم ازدحام برنامج الرئيس الأمريكي، الذى كان يرأس اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذى تناول ملفات محورية، تشمل الإرهاب والقضية الفلسطينية، والعلاقات الثنائية.
ومن المفارقات أن الرئيس السيسى قد التقى رئيسى أكبر دولتين فى العالم 5 مرات لكل منهما، والمرتان الأخيرتان فى شهر واحد، ورغم الحرب التجارية الشرسة، والأزمات بين البلدين الأكبرين فى العالم، فإن الرئيس السيسى استطاع أن يقيم علاقات متوازنة على أساس المصالح المشتركة، وهو يحمل رسالة يصر على إسماعها للعالم عن كيفية تجاوز الأزمات الإقليمية والدولية، وتجنب الصراعات والحروب، وعدم هدر الطاقات والأرواح والأموال، بينما يمكن أن ينعم العالم بالسلام والتنمية الشاملة، وهو ما أوجزه فى كلمته القوية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتى ألقت باللوم على الدول الكبري، والخلل الذى يعترى المنظمات الدولية، وجعلها عاجزة عن حل الصراعات، وهو ما أفقدها المصداقية لدى الشعوب، مشيرا إلى نموذجين، أولهما العجز عن حل القضية الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطينى من حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، تنفيذا لقرارات الأمم المتحدة، وثانيهما تفشى الفقر فى إفريقيا بسبب السياسات الاقتصادية المجحفة، التى تعيد إنتاج الأزمات الاجتماعية والسياسية، وتسد آفاق التقدم والتطور.
لقد استمعت إلى معظم كلمات قادة العالم فى الأمم المتحدة، وقد لا أبالغ إذا قلت إننى كنت أشعر بالتشاؤم والألم وأنا أستمع إلى كلمات تواصل الحملات الإعلامية المتبادلة بين الدول الكبري، وكأن الأمم المتحدة تحولت إلى ساحة للملاكمة وليس الحوار البناء الساعى إلى إيجاد الحلول للأزمات، وبلغت حد تبادل الاتهامات والتهديدات، خصوصا حول قضايا حرية التجارة والعقوبات الاقتصادية والملف النووى الإيرانى والإرهاب، وهو ما يعيق التوصل إلى تسويات سياسية، بل يستكمل طريق الاستقطابات والتجاذبات والحروب بأشكالها، لكن كلمة الرئيس السيسى كانت الأكثر شمولا وتجردا، وتفتح باب الأمل أمام التوصل إلى حلول جادة، فقد شخصت الأزمات ووضعت الحلول، ولم يكن الرئيس السيسى يتحدث فقط باسم مصر والدول العربية، وإنما باسم مجموعة الـ 77 والصين التى ترأسها مصر، وتضم 134 دولة، يشكلون أكثر من ثلثى سكان العالم، ويدفعون ثمن السياسات الخاطئة والمجحفة وفشل المنظومة الدولية.
لقد دق الرئيس جرس الإنذار من استمرار تلك السياسات، وحدد ثلاثة مبادئ، أولها أن اللبنة الأولى فى إصلاح النظام الدولى هى الحفاظ على مقومات الدول وحمايتها من التفكك، الذى تنجم عنه الكثير من المآسى والحروب والفتن المذهبية والعرقية، نتيجة الصراعات الإقليمية والدولية، والتدخل فى شئون الدول تحقيقا للأطماع، ليتفشى الإرهاب والحروب الأهلية، والمبدأ الثانى هو إيجاد حلول سلمية ومستدامة للنزاعات الدولية، وتأهيل وإعادة بناء الدول الخارجة من النزاعات، والمبدأ الثالث هو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، بوصفها الشرط الضرورى لنظام عالمى مستقر.
وحدد الرئيس أولويات تطبيق هذه المبادئ، أولاها تعزيز الشراكة بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، وثانيتها استكمال العمل لإنقاذ المبادرة المصرية للتعاون الدولى فى مكافحة الإرهاب، وثالثتها معالجة أوجه القصور فى تعامل المجتمع الدولى مع قضايا حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كلمة الرئيس السيسى التى حازت اهتمام قادة العالم فتحت أفقا مضيئا فى نفق مظلم، مليء بالصراعات والنزاعات والمنافسات التى تجهض جهود التنمية بدلا من أن تدفعها إلى الأمام، وقد رأيت الرئيس وهو يحمل تلك المبادئ بثبات وإصرار، ليقدمها إلى قادة العالم من مؤتمر شنغهاى إلى اجتماع الأمم المتحدة، وهو على قناعة بأن الطريق إلى السلام والتنمية يمكن أن يكون قصيرا وأقل كلفة إذا ما سلكناه عبر الحلول العادلة والمستقيمة، والقائمة على نبذ الحروب، وتوجيه تكلفتها المادية والبشرية لترتقى بمستوى معيشة سكان الأرض، وربما لا يرضى الرئيس كل الأطراف المتنازعة، لكنهم يقدرون مواقفه وآراءه الشجاعة والواضحة.
إن الرئيس السيسى يحمل رسالته، ويجوب العالم سعيا إلى تحقيق مبادئها وإقناع كل قيادات العالم من شرقه إلى غربه، وهو على ثقة أنها ستجد طريقها إلى القلوب والعقول، حتى لو تعارضت مع بعض السياسات السائدة، فإن عاجلا أو آجلا سيعلو صوت العقل والضمير، ليتنافس العالم على الارتقاء بمستويات معيشة الشعوب، بدلا من حروب النفوذ والهيمنة، التى لم تجلب سوى الخراب والدمار، ويسعى بكل إصرار إلى كبح جماح التجاذبات والحروب والفتن التى تهدر الطاقات، وتوجيهها نحو التنمية الشاملة التى يأمل أن تتحقق فى مصر والعالم.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع