بقلم - وليد شقير
يرمز الإصرار السوري الإيراني الروسي على الخلاص من المعارضة في الغوطة الشرقية إلى الكثير من الأهداف، بدءاً بضمان الحماية لدمشق إزاء احتمال تحريك الجبهة الجنوبية في اتجاه العاصمة، مروراً بتعميق التغيير الديموغرافي في محيطها بتهجير أهلها منها في ما يشبه حرب ابادة المدنيين، وبتقليص فرص الحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254 عبر انتصار جديد للنظام يثبت رأسه في السلطة بموازاة توسيع سيطرته الميدانية مع حلفائه.
من أهداف موسكو حكماً الانتقام من المعارضة التي رفضت التسليم بالهندسة الروسية للحلول في سوتشي.
لعل أحد أوجه ما يجري في الغوطة الشرقية، سواء كان هدفاً أم جاء نتيجة للهجمة عليها، هو استكمال عملية إخراج العرب من المعادلة في بلاد الشام. وعلى رغم التركيز الروسي على محاربة «جبهة النصرة» (هيئة تحرير الشام) فيها، فإن الفصائل الرئيسة في الغوطة بعيدة من «النصرة». بل هي فصائل قامت على الدعم العربي من دول عدة عربية مدتها بالإمكانات كي تصمد في وجه وحشية النظام وحلفائه. والخلاص من هذه الفصائل السورية غير المصنفة إرهابية يعني استكمال إنهاء الوجود العربي الميداني بالواسطة على الأرض، بعد حلب وغيرها.
ومع أن الحضور العربي في سورية تراجع إلى أدنى مستوى في التأثير منذ التخلي العربي عن حلب، ومنذ الافتراق العربي التركي في الأهداف في سورية، فإن هذا الانكفاء انعكس بعد واقعة حلب استبعاداً للمشاركة العربية في مسار آستانة الذي أراده تحالف موسكو- أنقرة- طهران، وسيلة لتقاسم النفوذ على الساحة السورية. انكفأ العرب لمصلحة الوجود الأميركي المباشر انطلاقاً من الشمال والشرق في سورية، والذي اعتمد على الأكراد. وانكفأ منذ أن نجحت الحيلة الروسية بإغواء بعض الدول العربية بإمكان الاستعانة بالعنصر العربي في مواجهة التطرف السني، ثم تراجعت. وثمة من يؤرخ لانكفاء العرب بفشل مبادرة الجامعة العربية بداية عام 2012 في تحقيق أي تقدم في الحل السياسي وفي ولوج مرحلة انتقالية نحو حكم يتفاوض السوريون عليه.
لم يكن استبعاد الدول العربية عن عبث. بل إن دورها بلغ مستوى الانعدام نتيجة مسار انحداري متواصل بحيث تأتي حرب الغوطة لتقضي على أي وزن محتمل لها في الملعب السوري. حتى التوهم بإمكان تحريك الجبهة الجنوبية ضد النظام بات قراره أميركياً بحتاً، فالمواجهة على تلك الجبهة باتت بين إيران وإسرائيل ومعها أميركا. والمواجهة الأميركية الروسية في الميدان السوري أخذت بعداً جديداً يتعلق بالثروة الغازية والنفطية السورية كما برهنت عملية القصف الأميركي لقوافل الميليشيا الروسية المتجهة نحو شرق الفرات في محافظة دير الزور، للتمركز فوق حقول الثروة الطبيعية في أوائل شباط (فبراير) الماضي. وبات الأميركيون يستخدمون شعار الروس نفسه لتغطية التنافس على تلك الثروة ولإبقاء قواتهم في سورية، أي شعار مواجهة «داعش» والإرهاب، على رغم أن الدولتين الكبريين تنافستا على نسبة الانتصار على تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل 3 أشهر لكل منهما.
لم يبقَ للدور العربي في الإقليم سوى المواجهة الدائرة مع أذرع إيران في اليمن، حيث تخوض المملكة العربية السعودية الحرب ضد تمدد الحرس الثوري. وفي هذه المواجهة لا تفوت موسكو مناسبة من أجل الإيحاء بأنها ستخرج عن حياديتها عبر رفضها إدانة التدخل الإيراني في اليمن كما فعلت في مجلس الأمن قبل يومين.
ولم يبق للدور العربي في أزمات الإقليم سوى السعي لتأمين حضور في الأزمة الأم، أي القضية الفلسطينية، حيث أظهرت إدارة دونالد ترامب ازدراء مكشوفاً له حين ضربت عرض الحائط حساسية القدس بالنسبة إلى العرب. فهل تقف الدول العربية فعلاً لا قولاً وراء الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتشبثه بالثوابت وبالمبادرة العربية للسلام مقابل الصفعة التي تلقتها تباعاً من ترامب ومن روسيا في سورية وفي فلسطين؟ وهل تصدق أنباء عودة الدعم للسلطة الفلسطينية في المواجهة المصيرية التي تخوضها؟ ولم يبق للدور العربي سوى العودة إلى ضمان الحضور في لبنان لمنع مصادرته وجعله امتداداً لتقدم الدور الإيراني في بلاد الشام، ولإعانته على الصمود في انتظار اتضاح المعادلة في سورية، فاستعادة الدور في الحلول تحتاج إلى حضور في إدارة الأزمات بدل إدارة الظهر لها.
نقلا عن الحياه اللندنيه