بقلم - وليد شقير
محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله في غزة تذكر بأن من يعبث بالملف الفلسطيني من الدول المتضررة من المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» من جهة، وبين حركة «حماس» من جهة أخرى، ما زال مصراً على إفشال جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي أياً كان الثمن.
عشرات المحاولات حصلت منذ عام 2007 حتى الآن، كاد بعضها ينجح ويطلق دينامية إعادة الوحدة الفلسطينية إلى سابق عهدها، لكن الساعين إلى هذا الإنجاز لا يلبثون أن يخيبوا. وفي كل مرة كان هناك حدث دموي ينسف مساعيهم، سواء في سياق الصراع الداخلي أم في سياق الحروب مع إسرائيل.
يشبه الجسم الفلسطيني الجسم السوري الذي تحول الأجندات الخارجية دون انتقاله إلى مرحلة الحل السياسي، مثلما أن اختلاف الأجندات الدولية والإقليمية والعربية أوهن المعارضة السورية وقسّمها، سواء في سلوكها القتالي أم في توجهاتها السياسية، ما أضعف موقعها التفاوضي. هذا مع أوجه الاختلاف الكبيرة في القضيتين.
يفترض التفتيش عمن استهدف اغتيال الحمدالله من أجل إنهاء القيادة الفلسطينية الحالية ممثلة بالرئيس محمود عباس ومن معه بهدف تشتيت القرار الفلسطيني. كثر سعوا إلى هذا الهدف على مدى العقود الثلاثة الماضية، من إسرائيل إلى جهات عربية وإقليمية، في ظل اعتقاد كل منهم بأن إلغاء هذه القيادة يقضي على برنامجها لإقامة الدولة. ولطالما سعت إسرائيل إلى قيام وضع يسوغ لها مقولتها بأن «لا شريك» لها في السلام في الجهة المقابلة. سعت منذ 2002 إلى تغيير ياسر عرفات ثم اغتالته حين لم تنجح، والهدف القضاء على «الشريك». ولطالما عملت جهات أخرى في الإقليم لذلك، تحت عنوان رفض اتفاق أوسلو والاستسلام.
من أراد إزاحة رئيس الوزراء الفلسطيني أثناء دخوله غزة يرمي إلى ما هو أبعد من الخلاف القائم مع «حماس»، سواء كانت الأخيرة مسؤولة عن هذا الخرق الأمني الكبير في القطاع أم أن بعضاً منها متورط، أم أن بعض الأصوليين نفذوا الجريمة، إلى غير ذلك من الاحتمالات. ولا يكفي القول إن إسرائيل هي المستفيدة من تخريب المصالحة الفلسطينية، على صحة ذلك. فهناك جهات أخرى في الإقليم سجلها حافل في تقويض المصالحة.
تزامنت العملية مع محاولة تسويق الحلول التي تسعى إليها إدارة دونالد ترامب عبر صهره جاريد كوشنير بما سمي «صفقة العصر» الواهمة بإمكان تصفية القضية. فاقتراح كوشنير أول من أمس إقامة الدولة بدءاً من قطاع غزة وعلى أجزاء من الضفة الغربية، مع إغراءات بمساعدات مالية، في إطار سيناريو لإلغاء حق العودة وتغيير القيادة الحالية، يهدف إلى تصفية القضية.
والمصادفة الثانية مع محاولة الاغتيال، إقالة ترامب وزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي حاول التخفيف من وطأة قرار الأول نقل السفارة الأميركية إلى القدس بربط الأمر بمفاوضات الوضع النهائي، لتعيين مايك بومبيو المتشدد في انحيازه إلى إسرائيل وإلى خطط الصهر المتماهي مع بنيامين نتانياهو، مكانه. ولم يكن اغتباط إسرائيل بإزاحة تيلرسون عن عبث، على رغم أن شطبه من الإدارة لم يكن بسبب تعارض موقفه مع موقف ترامب. فهو سعى لإقناع بعض العرب بوهمه أن قرار الرئيس الأميركي يعطيه قدرة على الضغط على إسرائيل.
ماذا تنتظر حركتا «حماس» و «الجهاد الإسلامي» كي تقبلا على توحيد الموقف الفلسطيني بعد صفعة العصر التي تلقتها السلطة الفلسطينية وسائر العرب من ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس؟ ولماذا تفضل «حماس» أن تقيم علاقات مع معارضي السلطة الفلسطينية وتتظلل الخلافات العربية وتتبع الأجندات الإقليمية المعادية للمنظمة، في وقت بررت واشنطن موقفها من المنظمة بأنها ذهبت إلى المصالحة مع «حماس»؟
اختصر الرئيس عباس في خطابه المفصل في 14 شباط (فبراير) الماضي أثناء اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير فضائح الموقف الأميركي حيال القضية الفلسطينية، والمعاناة مع الدول التي تآمرت عليه. والمجلس انتهى إلى إعلان رفض اعتبار الولايات المتحدة وسيطاً في أي مفاوضات مع إسرائيل، إلا في إطار مؤتمر دولي تشارك فيه الدول الكبرى، على غرار مجموعة الدول التي فاوضت إيران على الاتفاق النووي (5+1). وهو ما كرره أمام مجلس الأمن.
في وقت يصلح خطاب أبو مازن مادة تدريس للمحطات المهمة للقضية، فهو كشف خفايا من مفاوضات العقود الماضية (كامب ديفيد) ومنها أنه جرى إيهام الأميركيين بأن القيادة تقبل بالمستوطنات والتخلي عن حق العودة... فهل المطلوب أن يحل مكان القيادة الحالية من أوهموا الأميركيين بإمكان قبولها التنازلات المستحيلة؟
نقلا عن الحياه اللندنيه