بقلم : جلال عارف
كل شيء كان أشد بساطة وأكثر جمالا. وهكذا كان الأمر مع شهر رمضان الكريم عندما كان وعينا يتفتح علي الحياة. كان من نعم الحياة ان نستقبله في مدينة جميلة مثل »بورسعيد» وأن يكون جمالها مرتبطا بالانفتاح علي البحر من ناحية وبعمق الانتماء للوطن وانتظار ساعة الخلاص من بقايا استعمار يحتضر ومن نهب طال حتي جاء تأميم قناة السويس ليعيدها لأصحابها ويبدأ عصر جديد لحرية الشعوب تجاوزت آثاره مصر والعالم العربي الي العالم كله .
كانت الحياة أشد بساطة وأكثر جمالا. تسير الحياة في المدينة كعادتها، فالعمل في الميناء او الصيد في البحر والسعي الدائم من اجل الرزق لا يترك مجالا لكي تنام المدينة او تستريح. الموائد كما هي لا يضاف اليها الا بعض الكنافة او القطايف وقمر الدين. والراديو هو وسيلة التسلية الاساسية. الاذان بصوت الشيخ رفعت يزداد جماله في الشهر الفضيل. التلاوة المباركة للقرآن الكريم علي الهواء مباشرة من السرادق الذي كان يقام بميدان عابدين ثم من ميدان الحسين والتاسعة مساء مسلسل فكاهي عقب الافطار ومسلسل ديني قرب الفجر .
الجانب الاخر من البهجة كان في الشارع شيء من الزينة كان ضروريا خاصة في الحي العربي، حيث يصبح الاحتفال نوعا من تأكيد الهوية وحلقات السمسمية تنتشر وتنشر معها البهجة والحيوية وهي تغني حتي السحور في حب الحياة والجمال والوطن .
لم تكن موائد الرحمن بشكلها الحالي قد ظهرت لكن التكافل كان موجودا علي افضل صورة وليس في رمضان فقط ولكن علي مدار السنة طبيعة المدينة كانت تفرض ذلك والترابط العائلي كان شديدا في مدينة ترتبط بالبحر وتمتد جذورها الي عمق التاريخ والي اقصي الصعيد .
وتمر سنوات العمر وتتغير الظروف والاحوال، ونمر بالعديد من المحن والتحديات وتهددنا موجات التعصب وعصابات التطرف لكن ما ربتنا مصر عليه يبقي حصن الدفاع الاول الذي حمي مصر منذ السبعينيات وحتي الان. هذا النموذج الفذ الذي لا تراه الا في المحروسة، والذي نري احد اجمل تجلياته في رمضان هذا الجمع الفريد بين انسانية الانسان وبين عبوديته لله. هذا المزيج المتفرد من الخشوع لخالق السموات والارض ومن الاحتفاء بالحياة ومن عشق الوطن. كل عام وانتم ومصر الجميلة بألف خير
نقلا عن الأخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع