بقلم - جلال عارف
الأزمة في فرنسا لن تنتهي بسهولة. إنها أزمة لها جذورها الحقيقية في المجتمع، وإن كانت بعض القيادات المتطرفة تحاول استغلال الموقف وزيادة التوتر.
والأخطر في أزمة فرنسا أنها جزء من أزمة أوروبا كلها، ومن المصاعب التي يواجهها الاتحاد الاوروبي في فترة مضطربة من تاريخ العالم وهو ينتقل إلي مرحلة جديدة لم تتحدد معالمها، ولم تتقرر سياساتها، ومازال الصراع محتدما علي قيادتها.
أوروبا التي استفادت من الظروف الدولية واستطاعت بناء نظامها الرأسمالي مقترنا بقدر من العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات الأساسية الراقية لكل المواطنين. تجد نفسها الآن مهددة بفقد كل هذا، وتكتشف أن الثروة ذهبت للأغنياء، وأن الأصعب ينتظر محدودي الدخل والطبقة الوسطي.
وأوروبا التي كانت تتصور أن وحدتها ستضمن لها مكانا متقدما بين الأقوياء، تجد نفسها الآن أمام خطر التفكك، ولهذا تتشدد في مواجهة خروج بريطانيا حتي لا يتشجع الآخرون علي السير في طريق »البريكست» الذي يراه اليمين حلا، ويراه الآخرون نهاية للحلم الأوروبي بأكمله.
وأوروبا التي أدركت خطورة التحولات التي تجري الآن في العالم كله، وجدية المخاطر التي تحاصرها. كانت تري أن قوة فرنسا السياسية مع قوة ألمانيا الاقتصادية يمكن أن توفر طريقا آمنا نحو المستقبل. من هنا كان التوافق بين الرئيس الفرنسي ماكرون وبين المستشارة الألمانية ميركل لانشاء القوة العسكرية الأوروبية الموحدة والمستقلة بعيداً عن حلف »الناتو» لتواجه - كما أعلن ماكرون - المخاطر القادمة من روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية!! والآن يبدو كل ذلك في مهب الريح!!
المشكلة الآن في فرنسا (وفي أوروبا بصورة عامة) أن الأزمة الداخلية صعبة، والحلول قاسية، واليمين يزحف، والطبقة السياسية فقدت ثقة الناس، والحلول المطروحة من قيادات مثل ماكرون مازالت تنحاز للأثرياء، وضغوط الشارع تتزايد بحثا عن طريق جديد ينقذ فرنسا وينقذ أوروبا معها.
وبعيداً عن اتهامات التدخل الخارجي ومنطق المؤامرة، سوف نجد ما يجمع بين بوتين وترامب في الارتياح لتصاعد الأزمة في فرنسا (وأوروبا بصورة عامة).. بوتين لديه أسبابه الأمنية، وترامب لا يريد أوروبا الموحدة، ولا يسعده النموذج الفرنسي للرأسمالية غير المتوحشة.
ووسط هذا كله يبقي السؤال: هل تتجاوز فرنسا أزمتها، فتقود أوروبا إلي أبواب النجاة؟!.. قد تختفي »السترات الصفراء» لكن السؤال سيبقي حتي يجد الجواب!!
نقلا عن الاخبار
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع