بقلم - جلال عارف
لا تعليم بدون عودة المدرسة. لا أدري إذا كان واقع الحال يتفق مع اشتراط نسبة حضور قدرها ٨٥٪ لدخول امتحانات الثانوية العامة. لكن ينبغي أن يكون اليقين كاملا بضرورة استعادة المدرسة لدورها كاملا، وبضرورة أن يدرك المجتمع كله أن التعليم ليس صفحات يتم حفظها أو امتحانات يتم التدريب علي حل نماذج لها.. وإنما التعليم هو العمل الدءوب لإعداد أبنائنا ورعاية مواهبهم وإطلاق طاقات الإبداع عندهم، وتحفيزهم ليكونوا الأفضل.. بالعلم والعقل، وليس بتغييب العقل وقتل المواهب وحبس العقول في سجن المحفوظات!!
لا يمكن أن نتحدث عن تعليم حقيقي في ظل كارثة الدروس الخصوصية التي أصبحت وباء حقيقيا، ولا في ظل »السناتر» التي يجلس فيها مئات الطلاب في قاعة واحدة يتلقون دروسا في اجتياز الامتحانات دون تعليم حقيقي.. ولا يمكن أن نتحدث عن تعليم حقيقي ونحن نسمع أوائل الثانوية العامة في كل عام يحكون تجاربهم وأولها بالطبع أنهم لا يذهبون لمدارسهم، وأن مدارسهم لا تهتم بحضورهم أو غيابهم، وأن المدرسة التي كنا نعرفها لم تعد موجودة، وأنها تحولت- في معظم الأحيان- إلي مجرد أماكن للاتفاق علي الدروس الخصوصية وترتيب المواعيد في »السناتر»!!
كلما قرأت عن أزمة التعليم عندنا، أدركت كم كنا جيلا محظوظا رغم صعوبة الظروف وتعدد التحديات. تلقينا تعليما ممتازا في مدارس حكومية مجانية. كان المدرسون أكثر من آباء لنا، وكانت المدرسة هي النموذج الذي يحتذي به في الانضباط وفي رعاية الطلاب وتنمية قدراتهم في كل المجالات.
كنا نواظب علي الحضور حتي آخر يوم من أيام الدراسة. وكان المدرسون - من جانبهم- أكثر حرصا علي مساعدتنا في المراجعات النهائية آخر العام، وبجهد إضافي.. ومجاني!! كان لدينا اختبارات شهرية، وامتحانات نصف سنوية. وكان ربع الدرجات يرصد لأعمال السنة. وفوق ذلك كله كنا نمارس الرياضة، ونزاول هواياتنا في المسرح والموسيقي والقراءة. لم تكن الامكانيات كبيرة، لكن الكل كان يبذل غايته، والمدرسة كانت مصنعا حقيقيا انصهر فيها كل الأبناء بلا تفرقة، وتخرجت منها أجيال من المبدعين والعلماء في كل المجالات.
نستطيع أن نستعيد المدرسة. بل إنها المهمة الأكثر أهمية من أجل تعليم حقيقي. قد تكون المهمة صعبة، والعقبات كبيرة، لكن لا طريق أمامنا للنهضة إلا هذا الطريق.
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع