بقلم - جلال عارف
لم تكن ثورة يوليو ثورة بيضاء تبرعا من أعدائها، وإنما لأن النظام يومها كان قد تهاوي بالفعل، ولأن الشعب كان في انتظار إنقاذ الوطن قبل أن يغرق في الفوضي، وفي انتظار الخلاص من أوضاع لم يكن ممكنا أن تستمر .
لم يكن ممكنا أن يظل الحكم في يد ملك فاسد يقضي لياليه علي موائد القمار ويغير الحكومة بمليون جنيه، ولا في يد أحزاب أفلست، يتلاعب بها القصر الملكي والمندوب السامي والمال الحرام !!
ولم يكن ممكنا أن تستمر أوضاع يعيش فيها ٩٠٪ من شعب مصر أسيرا للفقر المدقع، ويسيطر فيها باشوات الاقطاع والعائلة المالكة علي معظم ثروات البلاد، ويكون فيها المشروع القومي للحكومات هو مقاومة الحفاء !!
ولم يكن ممكنا أن يعبر الشعب عن مهانة استمرار الاحتلال، مع ذل الفقر.. بينما الطبقة الحاكمة تغرق في المال والفساد، ومصر تبدو منقسمة إلي فريقين يصدق عليهما قول طه حسين قبل الثورة: الذين يحترقون شوقا إلي العدل، والذين يحترقون خوفا من العدل !!
جاءت ثورة يوليو في موعدها. كان أعظم ما فيها أنها الابنة الشرعية لهذا الشعب ولجيش الوطن. في البداية ظن البعض أنه أمام مغامرة من بعض صغار الضباط تكرر ما حدث في دول أخري. لكن شعب مصر أدرك الحقيقة من البداية. و»الحركة المباركة» للجيش لم تتأخر في الإعلان عن هويتها كتعبير عن الحركة الوطنية، وانحيازها للاستقلال والعدالة الاجتماعية ولبناء دولة حديثة تقوم علي العلم، وتعلي من قيم المواطنة، وترفع رايات العدل والكرامة .
أصابت الثورة وأخطأت، انتصرت في معارك عديدة وانهزمت في أخري، لكنها ستبقي في ضمير الأمة عنوانا علي أكبر محاولات النهضة المصرية في العصر الحديث. وستبقي نموذجا لما تستطيع مصر أن تحققه عندما تنفذ إرادة الشعب، وعندما تمتلك الرؤية الواضحة وتعرف الطريق لتحقيقها مهما كانت التضحيات .
لهذا تستمر الحرب علي يوليو، وتستمر محاولات تزوير التاريخ إنهم لا يريدون فقط الانتقام من يوليو، ولكنهم لا يريدون أن يروا مرة أخري مصر وهي تنهض. تبني وتقيم قلاع الصناعة، وتقهر الحصار، وترفع رايات الاستقلال، وتحقق أهم تجربة في التنمية الشاملة، وتقود عالمها العربي إلي الاستقلال، وتجعل من القاهرة يومها مركزا لكل حركات التحرر الافريقية .
لا يفهم هؤلاء أنهم يحرثون في البحر. شعب مصر يدرك كأنهم لن يتوقفوا عن محاربة يوليو لأنهم لن يتوقفوا عن العداء لمصر. لهذا تظل يوليو هي الثورة الأم، وتظل بعد 66 عاما حاضرة في ذاكرة الوطن. تحية للثورة التي قادت مصر لتصنع التاريخ، ولقائدها عبدالناصر.. ولا عزاء لأعداء مازالوا يحاربون يوليو، فيجدون في مواجهتهم مصر (شعبا وجيشا) وهي تقاتل، وتبني، وتنتصر للوطن.. وللمستقبل
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع