بقلم - جلال عارف
تصلح قصة »التوك توك» مثالا للعشوائية التي سادت حياتنا، وماتؤدي إليه من مشاكل نتركها حتي تتأزم، ثم نبدأ في مواجهتها.
تسلل »التوك توك» إلي حواري مصر مع بدايات القرن، ومع انتشار الأحياء العشوائية. كان في البداية يلبي احتياجات مناطق لا تستطيع السيارات دخولها، ولم تكن أعداده القليلة في البداية تشكل إزعاجا كبيرا.
ثم بدأت المشاكل تتضح. تزايدت أعداد »التوك توك» بصورة كبيرة. تركت الأزقة والحواري إلي الشوارع الرئيسية. غادر عشرات الألوف من الصبية مقاعد الدراسة ليتحولوا إلي سائقي »توك توك». غياب الرقابة علي هذه الوسيلة من وسائل الانتقال سهل استخدامها في الجريمة. استمر النقاش حول »التوك توك» لسنوات، بينما كان الاستيراد يتضاعف، والمشكلة تتفاقم!!
قبل أقل من خمس سنوات صدرت القرارات الخاصة بوقف استيراد »التوك توك». ومع ذلك استمرت أعداده تتضاعف في الحواري وتجتاح القري وتزاحم السيارات في شوارع المدن. ولم يكن في الأمر أسرار، بل كان من الطبيعي ألا يتنازل مستوردو »التوك توك» عن أرباحهم الخيالية، وأن يتم استيراد »التوك توك» علي أنه قطع غيار، ثم يتم تجميعه في الداخل. بينما المسئولون عن تنفيذ قرار منع استيراد »التوك توك» يستمتعون بسماع الأغنية القديمة »وعملت روحي نايمة»!!
أخيرا - وفي محاولة لضبط الأوضاع - صدر القرار بفتح باب الترخيص لمركبات »التوك توك» لفترة محددة، ومع وقف ترخيص المركبات الجديدة. مع وضع قواعد لتشغيل هذه العربات وتعريفة موحدة وخطوط سير بعيدا عن الطرق الرئيسية.
وحتي الآن تقدم للترخيص حوالي ربع مليون »توك توك» ومن المنتظر أن يتضاعف العدد. وتبقي اسئلة عديدة عن كيفية التعامل مع من لا يتقدم للترخيص، وعن كيفية منع أباطرة الاستيراد من الاستمرار في التحايل علي القانون الذي يمنع استيراد »التوك توك». ثم.. عن كيفية التعامل مع الصبية والأطفال الذين يقودون »التوك توك» والذين يفرحون في البداية بما يكسبونه من هذا العمل، ثم يجدون أنفسهم بعد ذلك في مواجهة الحياة بلا مهنة وبلا تعليم!!
مشكلة »التوك توك» مجرد مثال لعشوائيات عديدة تركناها حتي استفحل أمرها في حماية فساد سيظل يقاوم كل إصلاح. المعركة هي بين عصر يحكمه »التوك توك» وعصر يحكمه القانون!!
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع