بقلم : جلال عارف
كان صوت الإمام الراحل الشيخ محمود شلتوت من أحب الأصوات إلي أذني ومن أقربها إلي قلبي. لم أكن أعرف في زمن الصبا لماذا أحرص علي اللقاء اليومي مع هذا الصوت الأجش الذي يبدو متعجلاً من أمره وهو يلقي حديثه القصير قبل التلاوة الكريمة في الصباح، أو قبل أذان المغرب في رمضان ؟
في هذه السن التي كان وعينا قد بدأ يتفتح، وكان الراديو وسيلة أساسية للثقافة بجانب الترفيه والأخبار. كان طبيعياً أن ننجذب لصوت طه حسين وهو يحدثنا مساء كل أربعاء بصوت كأنه الموسيقي. وإلقاء كأنه أعذب الغناء. بعكس صوت عباس العقاد الذي كانت تضيع معه القدرة علي التركيز الكامل في بعض ما كانت تحمله أحاديثه من قضايا وأفكار .
كان مع طه حسين والعقاد في حديث المساء الثقافي لفيف من كبار المفكرين. وكان حدثا -بعد ذلك- حين انضم اليهم فكري أباظة ليلقي أول حديث بالعامية. وبخفة الدم التي كان يتمتع بها. لكن الأمركان يختلف مع الأحاديث النبوية. كانت هناك أصوات عديدة، لكن الشيخ شلتوت كان شيئا آخر. عرفت حين كبرت قليلا أن ما كان يشدني إلي أحاديثه هو أنها كانت تخاطب العقل، وتحترم العلم، وتنشد الاصلاح، وتلتزم بالتسامح، ولاتغلق أبداً أبواب الاجتهاد من اجل خير الناس وتقدم المجتمع .
كان الشيخ شلتوت يمثل التطور الأهم في ذلك الوقت لأفكار الإمام محمد عبده التي أخذها البعض الآخر إلي طريق مختلف ليضموها إلي تراث السلفية، بدلاً من أن تكون دعوة دائمة للتجديد والاصلاح .
بعد شلتوت.. كان هناك من ساروا علي نهجه بشكل أو آخر. وكانت الدولة ظهيراً لهم، بمعني أن السياسات الاجتماعية والثقافية والتعليمية للدولة كانت تسير كلها في طريق خدمة المجتمع وتحقيق شرع الله في العدل والكرامة والمساواة بين البشر .
لكن ما حدث منذ منتصف السبعينيات كان يسير في طريق آخر، وكان طبيعياً أن يختفي نهج الامام شلتوت الي حد كبير، لنجد أنفسنا أمام تحالف الثروة مع تيار اغتيال كل شيء جميل باسم الدين الحنيف. كانت أفكار الوهابية تلتقي مع كوادر القطبيين لتحتل الشارع، بينما كان يتم اختراع »الدعاة» الذين بدأوا بالترويج لهذا الفكر المتخلف، ولم ينته عند الترويج لفراخ الشركة العربية التي ترتقي بنا روحياً عند صلاة التراويح !!
كان لدينا في عصر شلتوت من يدعو للتقريب بين المذاهب الاسلامية السنة والشيعة، وأصبح لدينا الآن من يدعو لقتل كل مخالف في الرأي. كان لدينا من يدعو للارتقاء بالعلم والعمل، وأصبح لدينا من يدعو للارتقاء بالفراخ.. ورمضان كريم
نقلًا عن الآخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع