بقلم - جلال عارف
هذا يوم للفرح يجمع المصريين جميعاً . هكذا أراده أجدادنا الفراعنة، وهكذا مستمر الأمر مع »شم النسيم» حتي الآن نعانق الطبيعة، ونبتسم للدنيا، ونشم رائحة الزهور وهي تتفتح.
وأظن أن المناخ أيام أجدادنا العظام كان يضمن لهم أن يكون شم النسيم ربيعاً حقيقياً، وألا تفاجئهم تقلبات الجو أو عواصفه المفاجئة في زمن أصبح فيه الخريف -بالنسبة لي- هو الربيع الحقيقي !!
حتي في طفولتنا وصبانا كان المناخ مختلفاً. كنا نحتفل في بورسعيد بشم النسيم كما لا نحتفل بيوم آخر ننشغل بالإعداد له أسابيع طويلة نسهر حتي الصباح ليلة شم النسيم. نزف »الألمبي» الذي صنعناه لنباهي به الآخرين، ولنجعل منه، مهما اختلف وجهه أمثولة لمن يستحق الحرق في نظرنا.. وهو ما نفعله قرب الفجر، وبعد ليلة من الاحتفالات تزينها أنغام السمسمية، ثم تنتهي قرب الصباح حين نلقي بأجسادنا في مياه البحر إعلاناً بأن موسم الصيف قد بدأ .
تغيرت الظروف، واختلفت الأجواء، لكن »شم النسيم» ظل كما هو.. عيداً لجمال الدنيا حين تزدهر الأرض بالنبات، وحين يعطي النيل خيراته، وحين يتجمع كل المصريين ليغنوا للربيع حتي لو تغير موعده، وليعانقوا الحياة حتي ولو كان أعداء الحياة مازالوا يعلنون الحرب علي كل ما هو جميل، وعلي كل ما يسعد الناس!!
وبعيداً عن حكايات الفسيخ والرنجة التي تسيطر علي »شم النسيم».. ينبهنا هذا اليوم الجميل إلي ما ينبغي التوقف عنده. لقد ضاقت الدنيا علي الناس كثيراً. المساحات الخضراء لم تعد كافية. الخروج للهواء الطلق أصبح مكلفاً، القادرون يستطيعون التصرف أو يملكون ما يحقق لهم التنفس بعيداً عن الضوضاء والزحام والهواء الملوث. هل ننتبه إلي ضرورة أن نتوسع في إقامة الحدائق ونشر اللون الأخضر، وإتاحة وسائل الترفية البسيطة للطبقات الفقيرة والمتوسطة. هذا أهم من توفير الفسيخ والرنجة. سعدت أخيراً بإعادة افتتاح حديقة »الميرلاند» في مصر الجديدة، والتي تمتعنا بها لسنوات طويلة، تناقصت الفرحة حين علمت أن تذكرة الدخول ثمنها عشرون جنيها. مطلوب شيء من »البراح» وكثير من رعاية عشق الناس للحياة .
كل عام والمصريون جميعاً بألف خير
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع