بقلم - جلال عارف
أحد الدروس المهمة التي تعلمناها من أساتذتنا الكبار، هي ألا نقسو في أحكامنا علي المبدعين الحقيقيين، أن ندرك أن الموهبة عملة نادرة، وأن علينا أن نرعاها بقدر المستطاع، وأن نساعدها علي أن تتألق، وأن نترفق بها حينما يجانبها التوفيق.
لا يعني ذلك أن نمتنع عن نقد ما يقدمونه من إبداع، أو أن نتغاضي عما يرتكبونه من أخطاء في تصرفاتهم الشخصية. العكس هو الصحيح.. فالنقد مطلوب، والمحاسبة ضرورية. لكن علينا أن ندرك ونحن نتعامل مع المبدع الموهوب ألا نستخدم ما يبدد الثروة التي يمثلها في زمن شحت فيه المواهب في كل المجالات.
تعلمنا مبكراً أن القسوة قد تكون مبررة في الجدل السياسي، لكن الأمر يختلف حين نتعامل مع المواهب الحقيقية في الفن والأدب. والأسباب كثيرة منها أن هؤلاء المبدعين قد لا يتحملون قسوتنا، لأن عملية الابداع في حد ذاتها صعبة وقاسية عليهم بما يكفي. صحيح أنهم يتمتعون بعذاب الابداع، لكنهم يدفعون الثمن. ولو أنك رأيت شاعراً بعد أن ينتهي من قصيدة ملهمة، أو فناناً بعد أن يبدع عملاً موسيقياً، أو أديباً وهو يكتب كلمة النهاية في رواية أو مسرحية.. لرأيت إنساناً منهكاً، يطلب الراحة وينتظر الجائزة التي ينالها حين يصل إبداعه للناس، وينير ولو شمعة صغيرة علي الطريق الطويل إلي الأجمل في حياتنا جميعاً.
هذا الإنسان الجميل بإبداعه يستحق معاملة خاصة. تحتفي بنجاحه وتتسامح مع اخفاقاته. تصحح له الخطأ وتأخذ بيده لطريق الصواب. لا نتركهم فريسة للابتزاز، ولا لمغامرات طالبي الشهرة، ولا لدعوات من يطاردون كل جميل في حياتنا، أو من طالبوا ذات يوم قريب بأن نخرج لهم نجيب محفوظ من قبره ليحاكموه علي ما أبدع!!
المبدع الحقيقي يستحق معاملة خاصة لكي يتصدي لكل ما هو قبيح في وطننا، للتخلف الفكري وللتدهور الأخلاقي. المبدع الذي أتحدث عنه هو الذي يحمي الابداع نفسه من الاسفاف، ويحصن المجتمع بالفن الجميل والثقافة التي تحترم العقل وتغني الوجدان.
تجتاح القسوة حياتنا كلها.. ولكن، رفقاً بالمبدعين
نقلا عن الاخبار القاهرية