بقلم : جلال عارف
أنا من جيل تربي علي أن الإسلام هو دين العقل والفطرة السليمة. دين الحرية والعدل. دين احترام العلم والعمل. دين كرامة الإنسان في أعظم صورها وهو يعرف أن رسالته في الدنيا هي نشر العمران وبناء كل ما يرضي الله وما يسعد البشر.
لم نكن ننتظر فتوي لكي تدخل الحمام بالرجل اليمين أو الشمال. ولم نكن نتناقش حول التداوي ببول الإبل. كنا نستمع للشيخ شلتوت رحمه الله وهو يفتح أبواب الاعتدال وإعمال العقل. وكنا نقرأ لخالد محمد خالد »من هنا نبدأ» و»هذا أو الطوفان». كنا نعيش مع طه حسين في »علي هامش السيرة» والعقاد في »العبقريات» ومحمد حسين هيكل في »حياة محمد» وعبدالرحمن الشرقاوي في »محمد رسول الحرية».
كانت نوافذنا تأتي بعطر المحبة وبيقين الإيمان. كانت معركة ثورة يوليو مع »الإخوان» قد حسمت. حسمتها الثورة بالسير في طريق العدل والحرية، وباتاحة التعليم ونشر الثقافة، والسير في طريق بناء الدولة المدنية الحديثة وتحقيق أعلي معدلات التنمية.
كان لدينا في هذا الوقت أعظم مسرح في تاريخنا، وأجمل سينما. وكان لدينا حركة ابداع غير مسبوقة، ونهضة علمية تعيد بهاء العقل. لكن الأهم أن كل ذلك أصبح في متناول الجميع ومن حقهم. حين وصل المعلم والطبيب إلي القرية لم يعد هناك مكان للخفافيش. وحين وصل الكتاب وقصر الثقافة كان علي أفكار التخلف أن تختفي ومعها تجار الدين وصانعو الإرهاب.
تغير ذلك كله في السبعينيات. ارتكب السادات خطأ العمر بالتصالح مع »الإخوان». لم يكن الأخطر أن يتسلح طلاب »الإخوان» بالخناجر لمهاجمة الخصوم في الجامعات.. لكن الأخطر كان أن نفتح الأبواب علي مصراعيها لثقافة التخلف وفكر الخوارج علي الدين والوطن. أن تصبح كتب »العذاب في القبر» بديلا لكتب طه حسين والعقاد. وأن تصبح فتاوي القرون الوسطي هي الأساس وأن تتواري أفكار الوسطية الاسلامية أمام هجمة تحالف الإخوان مع الوهابية المسلحة بأموال البترول.
لم يكن اغتيال السادات علي أيديهم إلا بداية. كانوا -ومازالوا- يريدون القضاء علي مصر التي في خاطرنا وقلوبنا وعقولنا. خاب مسعاهم وسيخيب علي الدوام. مصر محروسة برعاية الله وتضحيات شعبها.
و.. رمضان كريم
نقلا عن الاخبارالقاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع