بقلم - جلال عارف
كان »حي الحسين» هو ملجأنا في معظم ليالي العام، وليس في رمضان وحده. كنا ننهي العمل متأخراً، ونبحث بعد أنصاف الليالي عن استراحة نسترد فيها أنفاسنا ونلتقي بعيداً عن ضغط العمل الذي كان شاقاً وصعباً وجميلا .
كانت الاختيارات قليلة. وكان حي الحسين هو المفضل في معظم ليالي السنة كان المكان يشع دائماً بهذه الأجواء البديعة التي يلتقي فيها عبق التاريخ مع حيوية الحاضر. والتي يمنحنا فيهاالجلوس في رحاب الحسين هذا الإحساس الذي يغسل الروح ويرطب القلوب .
هناك كانت أطياف من المبدعين والمثقفين تلتقي علي مدي أجيال، وكانت مقاعد المقاهي وجدرانها تحفظ ذكرياتهم وتتعطر بليالي المودة التي جمعتهم ليضيفوا بعض سحرهم إلي سحر التاريخ الذي لاينفد .
لكن الأجمل كان أن تذهل هناك بصحبة أستاذ مدرسة الكاريكاتير المصرية الفنان »رخا» أوكاتبنا الكبير الراحل »محمد عودة» فتنفتح لك أبواب جديدة من سحرالحسين. أو أن تكون بصحبة جمال الغيطاني فيصاحبك كل شيء جميل وتشرب روحك من سحر النيل ومن أسرار المحروسة .
وفي ليالي الحسين، كنت تصادف كل أنواع البشر، وتلتقي بكل مفارقات الدنيا. المثقفون وبائع الكتب القديمة الكسيح الذي يتحرك علي »زحافة» يعرض كتبه ويتناقش حولها ويجلب لك ما تطلبه من كتب نادرة من تحت الارض.الذين جاءوا إلي »الحسين» صغاراً ثم كبروا واصبحوا ملء العين والبصر، والذين كانوا كباراً ثم ضاعوا في الحياة فلجأوا إلي »الحسين» أو أصبحوا من مجاذيبه .
لكن المشهد كله كان يتغير مع انطلاق ابتهالات الفجر، ومع تسلل النور القادم ليضيء المكان ويسكن القلب. بين عطر التاريخ وحلاوة الإيمان تبدو لك القاهرة الحقيقية التي اختزنت كل ما هو جميل ونبيل في التاريخ كله. لاتجد في الهواء إلا ريحة ماورد وجنة كما قال والد الشعراء فؤاد حداد .
أما »الحسين» في رمضان فكان قصة أخري وسحراً فوق سحر .
رمضان كريم
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع