بقلم - جلال عارف
بعد ٤٣ عاما من الرحيل.. تظل أم كلثوم تتربع علي عرش الغناء العربي، ويظل صوتها الساحر هو الواحة التي نلجأ إليها هربا من القبح، وبحثا عن متعة الفن الذي يجعل الحياة أجمل، ويأخذنا بسحره إلي قلب هذا الجمال .
في ذكراها قضيت اليوم بطوله مع أغنياتها، أو مع نصف قرن من الإبداع الرائع. أجيال من المبدعين كانوا بجوارها يحفرون هذا النهر المتدفق في تاريخ الغناء العربي. ولكن تبقي هذه القدرة الفذة علي التعلم، وهذا الإصرار علي أن تثقف نفسها وأن تطور أداءها، وأن تخلق لنفسها هذه الشخصية المتفردة التي يجتمع حول صوتها الملايين والتي تستطيع أن توحد العرب من المحيط إلي الخليج في حب سيدة الغناء .
كيف استطاعت هذه الفلاحة الفقيرة التي لم تتلق تعليما حقيقيا أن تتخطي كل الحواجز، وأن تتحمل كل المشاق حتي اعتلت عرش الغناء؟ ثم كيف استطاعت أن تبقي علي العرش حتي رحيلها، وأن تظل في مكانتها حتي الآن؟ وأي صلابة امتلكتها وهي تشتغل علي موهبتها بالتعلم الدائم، ثم وهي تطور أداءها من التواشيح وقصائد الشيخ أبوالعلا، إلي عالم القصبجي وزكريا والسنباطي وصولا إلي بليغ وعبدالوهاب؟
وأي ذكاء هذا الذي يجعل من ارتباطها الفني بكلمات أحمد رامي طريقا للانفتاح علي كل ما هو جميل.. بدءا من بيرم وشوقي وحتي مرسي جميل وعبدالفتاح مصطفي وعبدالوهاب محمد ومأمون الشناوي ؟
ثم.. كيف استطاعت هذه الفلاحة التي كانت تقاتل لكي تضع الفنانة التي كانت خير تجسيد لها في المكانة التي تستحقها في المجتمع.. أن تنتقل بعد ثورة يوليو إلي عالم آخر مع دور للفن قدر لها أن تكون العنوان الأبرز له؟!.. كان البعض يتصور أن دورها انتهي مع سقوط نظام ما قبل يوليو .
فإذا بها تعود بروح الفلاحة الأصيلة، تواكب معارك الوطن وتعيش انتصاراته. ثم تبقي صامدة بعد ٦٧. ترفض الانكسار وتجوب العالم العربي لتقول إننا مازلنا قادرين علي أن نغني للحياة ونحن في سنوات الصبر الأليم انتظارا للعقد القادم.
تمر ٤٣ سنة علي الرحيل، ومازالت هي الأجمل، ومازال صوتها الساحر هو القادر علي أن ينير ليالينا بالحب، ويثري حياتنا بأروع ما غناه العرب. وما زلنا نهرب من القبح إليها. نسكن قليلا في واحة إبداعها ثم نقول: عظمة يا ست
نقلا عن الاخبار القاهرية