بقلم - جلال عارف
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي »ترامب» عن خطوته الحمقاء، وقام بنقل السفارة الأمريكية لدي إسرائيل إلي القدس، متباهيا بأنه »يزيح» قضية المدينة المقدسة عن مائدة التفاوض.. منذ هذه اللحظة يفترض أن لدينا موقفا عربيا موحدا من هذه القضية، وأننا نرفض هذا العبث بمصير القدس الذي جعل من إدارة ترامب شريكا »وليس داعما فقط» لكل ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حق شعب فلسطين، والذي يقود الصراع في المنطقة إلي الأسوأ حيث لا يستفيد إلا التطرف، ولا تخدم مثل هذه التصرفات إلا العنف والتشدد وضياع الفرص الحقيقية لأي سلام عادل. ومع ذلك يبدو الأمر وكأن المسئولين العرب يفاجأون في كل مرة تخضع فيها دولة أخري لضغوط الصهاينة أو لابتزاز الإدارة الأمريكية، وترسل إشارات بأنها ستسير في نفس الطريق، وستنقل سفارتها إلي القدس!!
آخر حلقات هذا المسلسل »حتي الآن!!» جاءت من استراليا. حيث خرج رئيس وزراء الكيان الصهيوني »نتنياهو» يعلن غبطته وانشراحه، بأن رئيس وزراء استراليا أخبره بأنه يفكر بحسم الأمر ونقل سفارة بلاده إلي القدس. ليكون رد الفعل غضبا عربيا وإسلاميا يبدو أنه جعل رئيس الوزراء الاسترالي يعيد حساباته ويعلن إرجاء القرار لمزيد من المشاورات مع حلفائه.
التراجع »ولو بصورة مؤقتة» جاء نتيجة ضغوط داخلية من خسائر اقتصادية محتملة بسبب هذا القرار، خاصة مع الدولة الجارة »اندونيسيا» التي تدخل في علاقات تجارية كبيرة مع استراليا توشك أن تتحول إلي شراكة توفر لاستراليا سوقا هائلة.
والدرس هنا أن لغة المصالح أقوي من نفوذ اللوبي اليهودي ومن مناورات السياسة الأمريكي
ة. والمصالح مع الدول العربية والإسلامية هائلة بالنسبة لدول العالم كلها، لكن تأثيرها- بصورة عامة- ضئيل. وقد سمعنا مندوبة ترامب في الأمم المتحدة »المستقيلة أخيراً نيكي هيلي» تقول بعد القرار الأمريكي الأحمق حول القدس الذي عارضه العالم كله: لن نشهد إلا بعض الشجب وبعض المظاهرات، ثم تمضي الأمور في طريقها ونفرض الأمر الواقع!!
هل تكون واقعة استراليا بداية لتعامل جاد ينقلنا من دائرة الشجب إلي دائرة الفعل القادر علي استخدام ما نملكه من أوراق سياسية واقتصادية وقانونية لدعم حقوقنا وفرض إرادتنا في عالم لا يفهم إلا لغة المصالح؟!
الأمر يحتاج لرؤية واضحة ولإرادة حرة، وإلي موقف يتأكد فيه العالم الذي لا يفهم إلا لغة المصالح ومنطق القوة.. أن لدينا مصالحنا التي ينبغي احترامها، ولدينا قوتنا التي تحمي حقوقا لا يمكن التنازل عنها.
سؤال القدس مازال يختبر الجميع!!
نقلا عن الاخبار
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع