بقلم - جلال عارف
وسط سيل من أخبار عالم مضطرب يمر بفترة تحول هائل بكل ما يصحبها من صدمات وعواصف.. يأتي هذا الخبر الذي يستحق الوقوف عنده طويلاً.
الملياردير الأمريكي مايكل بلومبرج صاحب الامبراطورية المالية والاعلامية والذي سبق ان كان عمدة لنيويورك لأكثر من عشر سنوات، يعلن التبرع لجامعة »جون هوبكنز» الشهيرة والتي درس وتخرج فيها وكانت الشهادة التي حصل عليها منها هي التي فتحت أمامه أبواباً كانت ستظل مغلقة كما قال وهو يعلن تبرعه الذي بلغت قيمته ١٬٨ مليار دولار!!
لم يكن الرجل فقط يرد الجميل للجامعة التي منحته الفرصة وأهلته للنجاح فقط ولم يكن يؤدي دوره الاجتماعي علي أفضل وجه ولكنه أيضاً كان يضع يده علي قضية اساسية حين يؤكد أن التبرع سيذهب لبرامج المساعدات للطلاب من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط حتي يكملوا دراستهم، مشيراً الي ضرورة أن تكون هذه الجامعة المميزة للطلاب الذين يستحقون.. وليس الذين يملكون!!
الرجل الذي يعتبر من أثري أثرياء أمريكا والعالم هو الذي يقول: ان أمريكا تكون في احسن حالاتها عندما نكافئ الاشخاص علي أساس جودة عملهم وليس علي حجم محافظهم المالية، »كل دول العالم وليست أمريكا فقط» ستكون في أحسن حالاتها لو اتبعت هذا الطريق ولو كان التميز والكفاءة في العلم والعمل والابتكار والابداع هو السبيل لاحتلال المراكز المتقدمة في كل مجال.. بدلاً من ان تحجز لاصحاب الواسطة وأبناء الاكابر!!
في مصر.. لدينا تجربة طويلة في الدعم الأهلي للتعليم حين كانت المدارس الخاصة لا تستهدف الربح بل خدمة المجتمع وحين كان انشاء جامعة مثل جامعة القاهرة تحدياً للوطنية المصرية.
مازال لدينا القليل من ذلك ومازالت بعض الجامعات الخاصة المحترمة تقدم منحاً دراسية ومساعدات للمتفوقين من محدودي الدخل. ومازالت بعض الجامعات الحكومية تتلقي بعض التبرعات. لكن المشوار مازال طويلا لاستعادة ثقافة العمل الاهلي بعيداً عن تجار الدين والنصابين.
الفساد الذي سمح بأن يتحول التعليم الخاص- في معظمه- الي اكبر تجارة رابحة تبيع الشهادات لمن يملك المال، جعل الطريق صعباً أمام دعم الجامعات الحكومية والنماذج الأهلية المضيئة مثل جامعة النيل وزويل.
ستعود ثقافة العمل الأهلي لتؤازر جهد الدولة في التعليم حين يختفي الفساد في التعليم الحكومي ويختفي السماسرة من التعليم الخاص.
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع