بقلم - جلال عارف
كانت البداية في حديث جريء في أحد اللقاءات المعتادة بين جمال عبدالناصر ورأس الكنيسة القبطية وقتها البابا كيرلس السادس. أشار الرئيس لحاجة الكنيسة إلي مقر يليق بمكانتها في العالم. وقال البابا كيرلس ان الموارد غير متوافرة. ورد عبدالناصر بأن الدولة يمكن أن تساهم في حدود الإمكانيات المتاحة.. ولم تكن كبيرة في ذلك الوقت من الستينيات.
وبدأ العمل وتم تخصيص الأرض. وساهمت الدولة بمائة ألف جنيه وكان مبلغاً كبيراً في هذا الوقت. وتكاتفت كل الجهود لانجاز العمل، وتجمعت مساهمات المواطنين من المسيحيين والمسلمين معاً. ولعل القصة الشهيرة عن »حصالة نقود» أبناء عبدالناصر تظل هي الأبرز في تجسيد المعاني النبيلة والمناخ الطيب الذي كان يجمع الكل بعيداً عن أفكار التعصب والكراهية التي داهمتنا رياحها السوداء في زمن التجارة بالدين والعداء للوطن.
كان البابا كيرلس في زيارة معتادة لمنزل عبدالناصر. نزل الأبناء ليسلموا عليه كما تعودوا. وليفاجئوا البابا كيرلس بأن حمل كل منهم »الحصالة» التي يوفر فيها بعض النقود. ويقدموا ما فيها تبرعاً لبناء الكاتدرائية. جمع البابا كيرلس النقود في »منديل محلاوي» كان معه. وفي الكاتدرائية القديمة أحصي المساعدون النقود. كانت تكفي لسداد القسط الأخير من ثمن أرض الكاتدرائية الجديدة مع مصروفات المحامي الذي ذهب صباح اليوم التالي لسداد القسط وإنهاء الإجراءات.
بعد ثلاث سنوات كان البناء قد اكتمل. وكان الاحتفال الكبير الذي حضره عبدالناصر ومعه الامبراطور هيلاسلاسي حيث كانت الكنيسة الاثيوبية مازالت تابعة للكنيسة المصرية. وعلي مدي خمسين عاماً ظلت الكاتدرائية شاهداً علي دور ديني مستنير يعرف أن الوحدة الوطنية هي أعظم أسلحة مصر في مواجهة كل قوي الشر. تعاقب الانبا شنودة ثم البابا تواضروس علي رئاسة الكنيسة بعد رحيل طيب الذكر البابا كيرلس السادس. تتوالي المؤامرات التي تقهرها مصر بوحدتها وبإيمانها الصحيح بسماحة الدين، كانت قوي الشر تحاول اشعال الفتنة بحرق الكنائس، وكانت قوي الخير تبني وتعمر، بالأمس كان قداس تدشين الكاتدرائية بعد التجديدات الكبيرة التي تمت مع مرور خمسين عاما علي افتتاحها. تنتصر المحبة وتتجلي روح مصر التي كانت علي الدوام تجسيدا لكل قيم التسامح والاخاء.
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع