بقلم : جلال عارف
كان أول من نبهني إلي هذه القضية المهمة هو المجاهد الوطني الراحل فتحي رضوان. كنا نتحدث عن الفترة التي تولي فيها المسئولية الوزارية عن الشئون الثقافية في أعقاب ثورة يوليو.. وللرجل انجازاته الرائعة في هذا المجال. لكن ما لفت نظري أنه كان يولي أهمية كبيرة لتطور أساسي حدث في التعليم في تلك الفترة وكان له تأثيره المهم علي كل شيء في مصر.. وفي المقدمة كان تأثيره علي الثقافة في عصر نهوضها .
كان فتحي رضوان يعطي كل الأهمية لقرار توحيد التعليم الأساسي مع إقرار المجانية، ويعتبر ذلك واحداً من أهم انجازات ثورة يوليو في هذه المرحلة .
التجربة أثبتت بعد ذلك أن أساس المواطنة يتدعم من خلال مؤسستين محوريتين هما مؤسسة التعليم، ومؤسسة القوات المسلحة، في هاتين المؤسستين تحقق الاندماج الكامل بين فئات المجتمع، والمساواة الكاملة بين كل المواطنين. وفيهما غرست القيم الوطنية الأصيلة التي أثمرت أجيالا لا تعرف انتماء إلا للوطن، ولا تؤمن بفضيلة قدر فضيلة العلم، ولا تترك مكاناً للتعصب أو الكراهية أو الجهل المبين! !
احتفظت القوات المسلحة بقيمها، وظلت مدرسة للوطنية والمواطنة، وحصناً يحفظ الدولة من كل الأخطار.. بينما كان انهيار التعليم طعنة حقيقية لقيم المواطنة، وتجسيداً لما أصاب مصر في سنوات التراجع .
أصبح لدينا -في الحقيقة- أكثر من مصر. أقام الأغنياء مدارسهم وجامعاتهم ومستشفياتهم ومنتجعاتهم، وتركوا للفقراء ومحدودي الدخل أن يبحثوا عن النجاة بعد أن تخلت عنهم الدولة. أصبح عليهم -في التعليم- أن يتعذبوا في مدارس خاوية، ودروس خصوصية تقصم تكلفتها الظهور أو أن يذهبوا إلي جماعات تنشر التطرف من مدارس الحضانة إلي الجامعة بتمويل معلوم أو مشبوه، وبأفكار تقود إلي انتاج أجيال تخاصم العقل وتتنكر للوطن ولا تعرف شيئاً عن العصر أو المستقبل.
أي إصلاح حقيقي للتعليم لن يتم في ظل وجود 16 أو 17 نوعاً من التعليم»!!» ولا بمدارس تؤكد علي الانقسامات في المجتمع بدلاً من أن تكون وسيلة لتوحيد الكل تحت سماء وطن واحد. الاصلاح يتطلب أن يكون نظام التعليم قادراً علي بناء الشخصية المصرية، وتوفير الفرص المتكافئة أمام كل الأبناء وتوفير البيئة التي تطلق كل طاقات الإبداع لدي أطفالنا، وتنقلهم من أسر الحفظ والتلقين إلي رحابة العقل ونعمة التفكير .
.. ويبقي الحوار مطلوباً حتي يكون إصلاح التعليم قضية المجتمع كله، وليست رؤية تتغير بتغير الوزراء كما كان الأمر من قبل .
نقلا عن الآخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع