توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

منطقة أمنية لمن؟

  مصر اليوم -

منطقة أمنية لمن

بقلم : راجح الخوري

قبل أن تهبط طائرة الرئيس رجب طيب إردوغان في موسكو يوم الأربعاء الماضي، تعمّدت الخارجية الروسية توجيه رسالة ذات مغزى عميق، وتحديداً إلى أنقرة، عندما أعلنت أن الموقف في منطقة خفض التصعيد في إدلب يتدهور سريعاً، وأن تلك المنطقة باتت تقريباً تخضع بالكامل لسيطرة «جبهة النصرة» («القاعدة» سابقاً)، وقبل ذلك بيومين كان وزير الخارجية سيرغي لافروف، قد أعلن أن السيطرة على منطقة إدلب يجب أن تعود إلى الحكومة السورية.
كانت هذه رسائل قوية وواضحة إلى إردوغان، الذي يجهد بين واشنطن وموسكو لبسط سيطرته على شريط حدودي بعمق ثلاثين كيلومتراً داخل الأراضي السورية وتحديداً في منطقة إدلب، وكان واضحاً أنه فور إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عن سحب القوات الأميركية من سوريا، أن تركيا قفزت إلى الإعلان فوراً أنها تريد أن تسيطر على المنطقة الأمنية على حدودها الجنوبية!
رغم أن ترمب كان قد أشار إلى هذه المنطقة الأمنية، تعجّل إردوغان بالإعلان عن أن تركيا ستسيطر عليها، ثم هدد بأنه سيشن عملية عسكرية ضد «قوات سوريا الديمقراطية» ومعظمها من المقاتلين الأكراد، الذين أبلوا في المعارك ضد «داعش» بقيادة الأميركيين وتغطيتهم الجوية وحرروا الرقة كما هو معروف.
عندها رد عليه ترمب بالقول: إن الولايات المتحدة ستدمر الاقتصاد التركي إذا هاجمت أنقرة الأكراد. ولكن بعد مكالمة هاتفية فورية بين الرئيسين، تراجعت التهديدات فجأة وغاب التوتر، وكان مثيراً أن يعلن إردوغان «أن الرئيس الأميركي تطرق إلى منطقة آمنة بعرض عشرين كيلومتراً سنقيمها على طول الحدود السورية، وأن تركيا ستطلب هناك دعماً لوجيستياً من التحالف الدولي»، في حين أعلن إبراهيم كالين المتحدث باسمه، أن المنطقة ستكون تحت سيطرة تركيا!
الحديث المتصاعد عن السيطرة التركية بدا للمراقبين غريباً لسببين؛ أولاً لأن السيطرة الميدانية على منطقة إدلب هي في يد «جبهة النصرة» كما تعلن روسيا صراحةً، ما يزيد من الشكوك حول أن تركيا هي التي تدعم «النصرة» وتمدها بالسلاح والدعم، وثانياً لأنه ليس كافياً أن يتفق ترمب وإردوغان على هذه المنطقة الأمنية لكي يصبح الأمر واقعاً.
ذلك أن الرسائل الروسية المشار إليها أعلاه وصلت فوراً إلى أنقرة، ثم إن الحكومة السورية أعلنت أنها ستتصدى للتدخل التركي في أراضيها، أما «قوات سوريا الديمقراطية» فقد أعلنت أن هذه المنطقة ستكون منطقة احتلال تركي، وهذا ما ساعد الروس على إحياء الحوار والتعاون الميداني بين دمشق والأكراد، الذين قيل إنهم سيحصلون على حكم ذاتي وعلى اعتراف بلغتهم الأم، وفي هذا السياق يقول لافروف: «على دمشق أن تسيطر على شمال البلاد، وندعم الاتصالات بين الأكراد والسلطات السورية».
وسط كل هذا ورغم أن الحسابات الروسية تدفع دائماً في اتجاه السعي لانتزاع تركيا من حلف الأطلسي وإبعادها عن واشنطن، وسبق لها أن استثمرت في الخلاف بين واشنطن وأنقرة وباعت تركيا منظومة من صواريخ «إس 400»، فإنه ليس من المتوقع أن يحصل إردوغان على مباركة فلاديمير بوتين للسيطرة التركية على إدلب والشريط الحدودي، وذلك لأسباب استراتيجية وأمنية.
ذلك أن بوتين ينظر إلى سوريا كقاعدة استراتيجية مهمة للنفوذ الروسي العائد على مستوى السياسة الدولية، فمن القرم إلى دمشق يمتد الجسر الذي تعبر عليه روسيا لاستعادة دورها وإحياء توازنات الاستقطاب الثنائي، ولهذا لن يسمح بوتين بأن تصبح القواعد الروسية في حميميم وجوارها عُرضة لاضطرابات تقوم بها «جبهة النصرة» التي تحظى برعاية ضمنية من إردوغان، ثم إن سوريا باتت قاعدة ارتكاز للمصالح الروسية في المنطقة، والعقود الطويلة المدى الموقَّعة مع دمشق تصل إلى خمســــــــين سنة قابلة للتمديد!
بوتين يعرف جيداً أنه من غير المعقول السماح لإردوغان بالسيطرة على شريط حدودي بهذا العمق في شمال سوريا، لأن من شأن هذا إبقاء جذوة الصراع قائمة، خصوصاً مع وجود النفوذ الإيراني، الذي يحاول منافسة موسكو على الجبنة السورية، ومع تصاعد حدة العمليات الإسرائيلية ضد المواقع الإيرانية في سوريا.
ثم إنه ليس خافياً على الرئيس الروسي صحة كل ما أعلنه بريت ماكغورك المبعوث السابق للرئيس الأميركي إلى سوريا، عبر محطة «سي إن إن» قبل أيام عن الدعم الميداني، الذي لطالما وفّره إردوغان للإرهابيين، سواء في «داعش» أو «جبهة النصرة»، معلناً صراحةً «أن تركيا فشلت في الاستجابة لمطالب قوات التحالف الدولي بوقف شحنات الأسلحة التي يتم تهريبها عبر الحدود التركية - السورية، للمساعدة في جهود محاربة الإرهابيين، ولم يتم الوفاء بأيٍّ من اقتراحات أنقرة المتكررة للمشاركة في محاربة «داعش»!
ما حصل مع الأميركيين سبق أن حصل مع الروس، ذلك أن إردوغان يحاول دائماً أن يضع على الطاولة مقترحات تبدو من الناحية النظرية جيدة، لكن لم يتم الالتزام بمضمونها ولم يحصل أي تقدم، وفي هذا الصدد يقول ماكغورك: «قضيت وقتاً طويلاً في أنقرة لأن معظم المواد التي يتم تهريبها لإيصال الإمدادات لآلة الحرب للإرهابيين كانت بكل صراحة تمر عبر الحدود من تركيا إلى سوريا»!
المحادثات بين بوتين وإردوغان ركزت على محور أساسي وهي المنطقة الأمنية التي تريد تركيا السيطرة عليها، والتي ستؤخِّر طبعاً أي حلٍّ سياسي ممكن في سوريا، هذا إذا كانت موسكو راغبة فعلاً في الحل، لكن من الضروري أن نتذكّر أن الحديث عن المنطقة الآمنة بدأ بعد التفاهم بين الدول الثلاث الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، على ما سُميت مناطق «خفض التوتر».
لهذا يبقى دائماً في وسع بوتين أن يضع أمام إردوغان، ولو على سبيل التذكير والإحراج، نص ذلك الاتفاق الذي وُقّع في آستانة في الرابع من مايو (أيار) عام 2017، حول إقامة هذه المناطق، وأن يقرأ له مثلاً البند الثالث الذي يقول: «إن إقامة هذه المناطق لا تمس سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها»، فما معنى السيطرة التركية على شريط حدودي بعمق ثلاثين كيلومتراً؟
أما البند السادس فأكد العزم على «محاربة (داعش) و(النصرة) والتنظيمات الإرهابية»، فماذا كانت النتيجة بعد مرور عامين تقريباً، عندما تعلن موسكو أن «النصرة» باتت تسيطر على إدلب بالكامل تقريباً، أما البند الثاني فيقول: «إن هذه المناطق إجراء مؤقت لمدة ستة أشهر»، فما معنى إقامة منطقة آمنة تسيطر عليها تركيا من خلال مجموعات من التنظيمات والمسلحين الإرهابيين؟
في النهاية مَن نصدّق؛ بيان الرئاسة التركية الذي أعلن بعد المحادثات الهاتفية بين ترمب وإردوغان، أنهما بحثا فكرة إنشاء منطقة يتمّ تطهيرها من الإرهابيين في شمال سوريا، أم بيان الخارجية الروسية الذي أعلن عشية القمة بين إردوغان وبوتين، أن محافظة إدلب باتت بالكامل تحت سيطرة «جبهة النصرة»، التي كانت تركيا قد تعهدت بمحاربتها والقضاء عليها في آستانة قبل عامين، في حين يؤكد بريت ماكغورك أن تركيا تنخرط عميقاً في رعاية «النصرة» التي تسيطر على إدلب؟

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منطقة أمنية لمن منطقة أمنية لمن



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon