توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«هزَّة» ظريف على الفالق الإيراني!

  مصر اليوم -

«هزَّة» ظريف على الفالق الإيراني

بقلم : راجح الخوري

لم تكن مجرد استقالة وزير عاد عنها بعد أربع وعشرين ساعة. كانت هزة ارتدادية عنيفة على فالق الصراع المحتدم بين تيار المتشددين في إيران وتيار الإصلاحيين، الذي يحاول نظام الملالي تحميله مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة بعد العقوبات الأميركية.
أهم من استقالة محمد جواد ظريف وعودته عنها، ذلك الارتباك الكبير الذي سيطر على الساحة الإيرانية، وخصوصاً لجهة تهافت النظام والتيار المتشدد على إعطاء تفسيرات متناقضة لسبب الاستقالة. فبعد الحديث عن أن ظريف استقال اعتراضاً على تغييبه عن الاجتماعات التي عقدت مع الرئيس بشار الأسد في طهران، وهو ما قال قاسم سليماني الذي حضر كل هذه الاجتماعات، إنه نجم عن خطأ بروتوكولي في التحضير للزيارة المفاجئة، توالت التصريحات التي تحدثت عن أن ظريف سبق أن قدّم استقالته منذ شهرين، على خلفية انقسامات جذرية بين حكومة الرئيس حسن روحاني والتيار المتشدد الذي يحيط بالمرشد علي خامنئي.
كل المسرحيات التي قدمها النظام بدت دليلاً متزايداً على الارتباك، سواء فيما قيل عن أن زيارة الأسد المفاجئة، كانت بدعوة سرية من قاسم سليماني، وهدفها الرد على عروض يتلقاها الأسد من واشنطن، وفحواها كما قال حسن أمير عبد اللهيان، أن يبقى رئيساً مدى الحياة مقابل إنهاء التحالف مع إيران وميليشياتها، أو في تلك الدعوة الاستلحاقية التي وجهها وليد المعلم إلى ظريف لزيارة دمشق، وكأن مشكلة ظريف تكمن فقط في أنه استبعد عن الاجتماعات مع الأسد في طهران؛ حيث لم تتذكر إيران أو تتكرم على الأسد برفع علم بلده في كل الاجتماعات التي عقدها.
تصريحات عبد اللهيان يوم الأربعاء، زادت الاقتناع بأن هناك انقساماً عمودياً حاداً في طهران حول التعامل مع الأسد، في ظل معلومات متزايدة عن محاولات استغلال الأسد للتناقضات الروسية الإيرانية المتصارعة على النفوذ والمصالح في سوريا، والتي تردد أخيراً أنها وصلت إلى حدود الاشتباك المسلح بين فرقتين من الجيش السوري، واحدة تأتمر بموسكو والثانية تأتمر بطهران.
زيارة الأسد مسألة تفصيلية في موضوع الهزة على فالق الصراع بين المتشددين والإصلاحيين، وإذا كان عبد اللهيان يقول بأن ظريف قدم استقالته قبل شهرين، ولا علاقة لها بما تردد عن انقسام في طهران حول استقبال الأسد، فإن النائب في مجلس الشورى أحمد علي رضا بيكي، أعلن أن ظريف يقدم استقالته منذ أكثر من شهرين، وتعمّد ربطها بقصة اللقاءات مع الأسد للتعمية على مشاكل النظام المتفاقمة!
ليس المهم العودة عن الاستقالة التي لن تغيّر شيئاً في الانقسامات داخل المستوى السياسي في طهران؛ لكن الاستقالة المزلزلة التي استدعت ترتيباً سريعاً أعاد ظريف إلى الخارجية، حملت مؤشرات مهمة في طريقتها وأسلوبها، ذلك أن ظريف لم يقدّم الاستقالة إلى رئيس الحكومة أو إلى المرشد علي خامنئي؛ بل ذهب إلى الشعب مباشرة، وعبر تغريدة في «إنستغرام»، وهي من وسائل الاتصال الاجتماعي التي لا يستسيغها خامنئي والمتشددون كثيراً.
قال ظريف إنه رأى أن يستقيل للحفاظ على المصالح القومية الإيرانية، وعلى قوة إيران ومراعاة مكانة الخارجية الإيرانية، وإنه ليس حزيناً ولا منزعجاً، وليس في حاجة إلى ترضية من أحد، وهذا كلام يحمل الكثير في طياته المثيرة، فالمصالح القومية الإيرانية لا تتوقف عند حدود زيارة الأسد ولقاءاته؛ بل في طريقة التعامل مع أميركا والعالم الغربي بعد العقوبات التي تخنق إيران، والتي يستمر المتشددون في مواجهتها بعراضات الصواريخ والتدخلات المزلزلة للاستقرار في المنطقة.
أما إشارته إلى أنه ليس منزعجاً من أحد، فتستهدف حسن روحاني تحديداً، الذي تؤكد المعلومات وجود خلافات متزايدة معه حول كثير من الملفات، أما قوله إنه لا يحتاج إلى ترضية من أحد، فمن الواضح أنها رسالة إلى خامنئي شخصياً، ليس لتأكيد جدية الاستقالة التي رفضها روحاني فحسب؛ بل للقول إن القواعد الدبلوماسية التي يتبعها هي أفضل لإيران من المضي في التشدد وسياسات الاستفزاز، التي تزرع مزيداً من الأعداء في مواجهة إيران التي تعاني من العقوبات، أولم يعلن روحاني قبل أيام: «أن إيران تواجه أصعب أزمة منذ أربعين عاماً، وأن الحرب الاقتصادية أصعب من الحرب العسكرية، ولن ننجح في حربنا الاقتصادية أو العسكرية إذا لم نتلقَّ الدعم»؟!
ولكن من أين الدعم في ظل سياسات المتشددين وتدخلاتهم، وخصوصاً بعد مؤتمر وارسو، والدعوة إلى مواجهة إيران وميليشياتها وتصنيفها منظمات إرهابية؟
دعوة ظريف الدبلوماسيين في الخارجية الإيرانية إلى البقاء في مناصبهم ومواصلة عملهم، بدت مهمة تماماً كإعلان استقالته؛ لأنها رفعت الغطاء أكثر فأكثر عن عمق الانقسامات التي تعصف بالنظام الإيراني، وخصوصاً بعد الأنباء التي تحدثت عن أن عدداً كبيراً من هؤلاء الدبلوماسيين يستعد للاستقالة أيضاً، وهذا الموقف لا يرتبط طبعاً بحدود استقالة ظريف؛ بل بالأسباب عينها التي دعته وتدعوهم إلى التلويح بالاستقالة!
هل تشكل عودة ظريف عن الاستقالة علاجاً للانقسامات الجذرية التي دفعته إلى إحداث هذه الهزة؟
ليس هناك من يتوقع حدوث أي تغيير؛ لأن زجاج النظام الإيراني مكسور منذ زمن بعيد، قبل العقوبات، ومحاولات المتشددين تحميل حكومة روحاني مسؤولية ما تواجهه إيران من أزمات اقتصادية وإضرابات مطلبية، وانهيار مريع في عملتها؛ حيث باتت طباعة الـ500 تومان مثلاً تكلّف 400 تومان، وبعدما صار الدولار يساوي أكثر من 130 ألف تومان. الزجاج مكسور منذ سحق الثورة الخضراء التي لا تزال نابضة في الوسط الشبابي والجامعي الإيراني.
منذ قرر الرئيس دونالد ترمب إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، بات حسن روحاني ومحمد جواد ظريف من العناوين البغيضة عند المتشددين؛ لأنهما كانا من أبرز مهندسي هذا الاتفاق. وفي 14 أغسطس (آب) الماضي، بعدما دعا ترمب إلى عقد اتفاق معدّل، رفض خامنئي رغم الأزمة التي تخنق إيران؛ لا بل إنه حمّل حكومة روحاني مسؤولية الأزمة الاقتصادية قائلاً إن سوء الإدارة والسياسات التنفيذية في البلاد تتحمل المسؤولية: «لا أريد أن أسميها خيانة؛ لكنه خطأ فادح في الإدارة»!
تصريحات ظريف في ذلك الحين، بدت متناقضة تماماً مع كلام خامنئي، عندما حذَّر في لقاء مع ممثلي غرفة التجارة الإيرانية، من سقوط النظام وتفكك إيران، قائلاً في دفاع واضح عن روحاني وسياسة الحكومة: «إن هدف العدو تدمير إيران. نحن جميعاً نجلس في سفينة واحدة، من الأصولي إلى الإصلاحي إلى المعارض. لا تعتقدوا بأنه لو ذهب روحاني فإن الأصولي سينجح»!
كان هذا كافياً ليعمّق نقمة المتشددين عليه، وعندما طلب 24 نائباً في مجلس الشورى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي استجواب ظريف تمهيداً لطرح الثقة به؛ لأنه تحدث عن غسل الأموال ومهربي المخدرات والمختلسين والمخلِّين بالقانون، بدا أن دائرة الكراهية تزداد من حوله، وخصوصاً بعدما وقف في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) وكرر كلامه أمام لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية.
واضح أنه وسط هذا الجو، قرر أن يخرج من الدائرة المغلقة على التشدد؛ لكن استقالته التي شكلت هزة قوية على فالق النظام المنقسم، كان يمكن أن تحدث زلزالاً؛ ليس من الواضح إن كانت عودته عن الاستقالة الآن ستمنع حدوثه أو تؤجل موعده، وخصوصاً عندما يقول مستشار خامنئي اللواء يحيي رحيم صفوي، إن إيران بعد العقوبات الأميركية قد تواجه مصير فنزويلا.

 

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع  

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«هزَّة» ظريف على الفالق الإيراني «هزَّة» ظريف على الفالق الإيراني



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon