بقلم: راجح الخوري
ينص الدستور اللبناني على أن رئيس الجمهورية يقوم بإجراء استشارات نيابية ملزمة، يكلف على أساس نتائجها رئيساً بتشكيل الحكومة بالتعاون معه، وهو ما يعطي الرئيس دوراً تشاورياً شريكاً في التشكيل، وله حق التوقيع على التشكيلة أو رفضها، لكن الرئيس ميشال عون الذي كان قد عارض «اتفاق الطائف» الذي صار دستور البلاد، أثار دائماً ذلك الجدال الغريب حول أحكام الدستور، وتحديداً في مسألة التكليف والتأليف.
منذ البداية برزت محاولته ترسيخ الاجتهاد الذي يقول إن المشاورات الاستباقية مع الكتل السياسية، التي يتمسك عون بإجرائها قبل إجراء الاستشارات النيابية الملزمة، بهدف تكليف رئيس لتشكيل الحكومة، هدفها تسهيل التشكيل وكي لا يضع الرئيس الذي تسميه الأكثرية النيابية، قرار التكليف في جيبه ونغرق في فراغ طويل قبل تشكيل الحكومة العتيدة، لكن هذا لن يوازي قطعاً فراغ العامين ونصف العام في رئاسة الجمهورية، الذي سبق انتخاب عون كما هو معروف!
في أي حال يستطيع عون دستورياً، ألا يوقع على صيغة الحكومة التي يؤلفها الرئيس المكلّف، إذا لم يكن مقتنعاً كما قال الخميس في غمز من قناة الرئيس سعد الحريري، بأن «من وقع عليه وزر التكليف والتأليف سيقوم فعلاً بمعالجة مكامن الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح»، وقد سبق لعون أن كان مقرراً في التكليف وشريكاً في التأليف ولم تلتزم الحكومات، وخصوصاً حكومة اللون الواحد الأخيرة مثلاً، الإصلاح، ولا معالجة الفساد، فماذا جرى، طبعاً لا شيء؟
بعد تفشيل المبادرة الفرنسية التي اقترحها الرئيس إيمانويل ماكرون في 6 أغسطس (آب) الماضي، عندما زار بيروت بعد انفجار المرفأ، وهي تشكيل حكومة مهمة من الاختصاصين من غير السياسيين، بسبب شروط الثنائية الشيعية الإمساك بوزارة المالية دائماً ورفض المداورة والتمسك بتسمية وزرائها، رغم الموافقة التي أعطيت لماكرون على المبادرة الإنقاذية، ومع تصاعد الأزمة الاقتصادية وانسداد الأفق، سئل عون قبل أسبوعين خلال لقاء مع الصحافيين؛ إذا لم تشكل حكومة جديدة، فإلى أين نحن ذاهبون؟ فرد بالقول؛ إلى جهنم!
الآن ليس من المبالغة القول إننا نتقدم في الطريق إلى جهنم، رغم أن الاستشارات النيابية التي أجراها عون يوم الخميس الماضي، انتهت بتسمية سعد الحريري رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة الجديدة بأكثرية 64 صوتاً، بعدما كان قد طرح نفسه مرشحاً على قاعدة تنفيذ بنود الخطة الإصلاحية الفرنسية، ولكن تسميته جاءت وسط انقسامات سياسية ليس على الإصلاح فحسب ولكن على شكل الحكومة التي تواجه الشروط الشيعية إياها، وتصطدم أيضاً بعقبة الخلاف الحاد بين الحريري وجبران باسيل شريكي التسوية الرئاسية أمس، وعلى قاعدة التحديات التي نشبت بينهما بعد استقالة الحريري إثر انفجار ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فالحريري يرفض باسيل في حكومة الاختصاصيين، وباسيل يرفض الحريري بحجة أنه ليس من أهل الاختصاص، ولكأن الثنائية الشيعية ستقبل بحكومة من غير السياسيين.
الخميس من الأسبوع المضي، أجّل عون موعد الاستشارات لحل مشكلة الخلاف المستعصي بين الحريري وباسيل، وبعد ضغوط قوية حالت دون تأجيلها الخميس، أي قبل يومين، وجّه عون خطاباً بدا وكأنه عملية استسلام ليس أمام الحكومة وتعقيداتها فحسب، بل الأهم أمام الأزمة المصيرية التي تواجه لبنان، وكان مثيراً تماماً أن يقول ما معناه إننا وصلنا إلى خط النهاية، وإننا مفلسون وليس في وسعي أن أفعل شيئاً، ولكنني باقٍ لتحمل المسؤولية في التكليف والتأليف، وفي كل موقع وموقف دستوري، وبدا أنه يعارض عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة ويحمله مسؤولية التردي، متسائلاً: «هل سيلتزم الإصلاح كل واحد عنده تاريخ سياسي وأنتم تعرفون جيداً كمراقبين وأنا أقول هذا؟».
لقد كلف الحريري تشكيل حكومة يريدها إصلاحية وأن تستجيب لشروط المبادرة الفرنسية، لكن العملية ستدخل إلى حلبة من المناكفات والصراعات والعراقيل مع التمسك بالمحاصصة وعلى قاعدة العودة حكماً إلى شروط تحالف عون و«حزب الله» و«حركة أمل»، بما يعني أن لبنان سيتقدم إلى جهنم بسرعة في غياب أي تفاهم على تشكيل حكومة إنقاذ ينتظرها صندوق النقد الدولي ومساعدات «مؤتمر سيدر»، وبالطبع ستواجه ما يكفي من العقد والعراقيل، لأن تسوية حساب التكليف ستتم في عملية التأليف، وهو ما أشار إليه عون ضمناً.
وبهذا يكون عون الذي يبدي خشية من رئيس حكومة مكلف يضع ورقة التكليف في جيبه ويمضي، قد ساعد عملياً في التوصل إلى هذه النتيجة، من خلال التعقيدات التي ستواجه الحريري، والتي بدت طلائعها قبل ساعات من تكليفه عبر الكلمة التي تساءل فيها، وهل سيلتزم الإصلاح؟!
بعيداً عن التعقيدات التي ستواجه الحريري الآن، وقد تقوده إلى الموقف الذي انتهى إليه مصطفى أديب من قبل، ليعتذر نزولاً عند قوله عندما رشح نفسه إنه إذا لم يستطع تشكيل حكومة اختصاصيين تعمل تحديداً على تنفيذ الخطة الإصلاحية التي اقترحها الرئيس الفرنسي ووافق عليها كل الأفرقاء فإنه سيستقيل!
وبعيداً عن التكليف والتشكيل وما سيفعل الحريري، كان من المثير جداً أن يمطر عون اللبنانيين بطوفان من الأسئلة الغريبة، حول الفشل الذريع الذي تواجهه الدولة، ولكأن على المواطنين مثلاً أن يردوا عليه عندما يقول؛ أين الاقتصاد، أين مدخرات اللبنانيين وجني عمرهم، أين الخطة الاقتصادية، أين برامج الاستثمار، أين أموال «سيدر»، أين مشروعات الإصلاح، وأين خطة الكهرباء التي كبدت لبنان نصف ديْنه العام، أي ما يزيد على 50 مليار دولار، مع أنه كانت تحت إدارة تياره السياسي في الحكومات، وأين نحن من هيئة الإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجرين، ومجلس الجنوب والمؤسسات غير المنتجة التي اتفقنا على إلغائها، وأين وأين وأين؟!!
والآن مع تكليف سيواجه التعجيز، من حق المواطن أن يطرح هو الأسئلة، ومن واجب المسؤول، وعون هو المسؤول الأول، أن يرد على الأسئلة...
ماذا فعل العهد القوي في 4 أعوام؟ ولماذا لا تكشف فخامتك قائمة بأسماء السياسيين الذين قلت أنت إنهم حماة الفساد؟ اللبنانيون يريدون أسماء، لا أسئلة، وهم سيحاسبون!