توقيت القاهرة المحلي 10:14:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جولة في عقل القيصر!

  مصر اليوم -

جولة في عقل القيصر

بقلم : راجح الخوري

لا يخرج تصريح المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، يوم الثلاثاء الماضي، عن سياق استراتيجية التلاعب بأعصاب الولايات المتحدة وحلف الناتو، التي ينفّذها فلاديمير بوتين ببراعة مدهشة، جعلت الاستخبارات الأميركية تعلن صراحةً (الأربعاء)، أنها لا تفهم ماذا يدور في رأس بوتين، بعدما سحبت عام 2017 عميلاً لها، سبق أن دسّته في الدائرة الداخلية المقربة من بوتين، فحالة الغموض والترقب والحذر هي المسيطرة بعد السياق التصاعدي والحشود العسكرية على حدود أوكرانيا. تقول زاخاروفا إن يوم 15 فبراير (شباط) من عام 2022 سيدخل التاريخ مع فشل دعاية الحرب الغربية: «لقد تعرضوا للعار والتدمير من دون إطلاق رصاصة واحدة»، وجاء ذلك بعد إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف عن سحب مجموعات قتالية روسية من الحدود مع أوكرانيا.
واضح أن هذا جزء من الحرب النفسية التي تشنها موسكو ضد واشنطن ودول الناتو، والتي وصلت إلى حد إثارة الذعر في كييف عبر آلاف الإفادات الكاذبة عن قنابل ستنفجر هنا وهناك وهجمات سيبرانية على مؤسسات الدولة، في وقت بدا فيه الموقف الغربي متردداً أولاً ثم مرتبكاً، رغم كل التحذيرات الأميركية من أن مواجهة حازمة ستقابل أي هجوم روسي على أوكرانيا، وأن الأمور قد لا تتوقف على فرض عقوبات مدمرة على روسيا.
لكنه فلاديمير بوتين الذي لا يطلقون عليه عادةً لقب القيصر عبثاً، فقد بات واضحاً منذ جلوسه في الكرملين، أنه يتصرف فعلاً بعقلية مَن يؤمن بأنه القيصر الجديد، الذي سيعيد للقومية السلافية قوتها ووحدتها، وهنا تكتسب أوكرانيا أهمية بالغة عنده لأنها الضفة السلافية للروس السلافيين، أو كما كان يقول حافظ الأسد: «لبنان وسوريا شعب واحد في بلدين»، وكان أيضاً لروسيا نفوذها الذي يتجاوز الحدود، التي توسعت في زمن الاتحاد السوفياتي، لتشمل ضم 15 دولة تمتد من البلطيق إلى آسيا الوسطى ولتصل إلى أبعد من ذلك بكثير.
لكن السؤال الذي لم يجد جواباً عنه بعد هو: متى يندمل الجرح العميق الذي تركه انهيار الاتحاد السوفياتي في نفسية بوتين.. يوم كان يقف في بداية السلم ضابطاً في الاستخبارات، استيقظ فجأة ليحس أن جدار برلين انهار فوق رأسه كما قال، وليس فوق رأس الإمبراطورية الماركسية التي سقطت كخردة؟
بعدما وصل إلى بلاط الرئيس بوريس يلتسين، دبّر بدهاء رجل الاستخبارات صعود سلم السلطة سريعاً، موحياً للغرب دائماً بأنه يلتزم الديمقراطية ويؤمن بالاقتصاد الحر، بينما انصرف عملياً إلى السعي لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية على قاعدتين؛ أولاً إعادة بناء جيش قوي يحمي روسيا، وثانياً التخلص من الليبراليين وإعطاء الكنيسة التي غيّبتها الشيوعية دورها وأراضيها المصادَرة، فهي أساساً التي غذّت فكرة «اختراع روسيا» القائمة على سيادة العرق الروسي السلافي منذ عام 1472، وهكذا ليس غريباً أن يتحدث بوتين دائماً عن فلسفته «استعادة التاريخ كأساس للمستقبل»، وعلى هذا لم يكن مفاجئاً أن يحاول تقمص شخصية القيصر وتحديداً نيقولاوس الثالث الذي يعلّق صورته في الكرملين.
على قاعدة عوامل هذه السيكولوجيا وأثرها النفسي والفلسفي والديني لبوتين نستطيع أن نفهم سبب حشد نصف عديد جيشه على حدود أوكرانيا والتهديد باجتياحها من الشرق والشمال والجنوب، ونستطيع كذلك أن نفهم استعادته الشيشان بالقوة المدمِّرة، لأنه يعدّها جزءاً من حدود روسيا، وكذلك الاستيلاء على جزء من أراضي جورجيا التي أرادت أن تلتحق بأميركا، ثم أوليس هذا ما فعله في القرم عام 2014، ثم استيلاؤه على أراضٍ في شرق أوكرانيا ودعم المتمردين في دونيتسك ولوغانسك؟!
أحلام بوتين القيصرية التي ترى أن التاريخ يمكن أن يشكّل قاعدة لصنع المستقبل، لا تتوقف في دائرة القومية السلافية وأراضي الاتحاد السوفياتي التي تفتَّتَتْ، فحتى الدول البعيدة تبقى محطَّ «اهتمامه القيصري العميق» لأنها بالتالي تعيد إلى التاج القيصري أهميته ووزنه في مواجهة الانفلاش الغربي شرقاً، وفي هذا السياق لم ينسَ الكثيرون، عندما وقف رئيس الكنيسة الأرثوذكسية يبارك الجنود الذاهبين إلى سوريا ويصف مهمتهم بالمقدسة، ويجب ألا ننسى طرح السؤال: لماذا يتدخل بوتين في ليبيا إن لم تكن تشكل توسيعاً لشريط الهيمنة، أو لأنها قريبة من اليونان الأرثوذكسية ولها أهمية استراتيجية كبرى بين آسيا وأوروبا وأفريقيا؟
بالعودة إلى أزمة أوكرانيا التي تضع العالم فوق سطح من الصفيح الساخن، وبغضّ النظر عن صحة الكلام في تصريح زاخاروفا، من الضروري جداً أن نعود لنتأمل جيداً في نتائج الاتصال بين جو بايدن وبوتين، قبل أسبوعين، حيث بدا واضحاً أن القيصر يتلاعب عميقاً بأعصاب الغرب. فعلى امتداد أكثر من ساعة ونصف بدا أن بايدن كأنه يريد «تجنب الصراع والمواجهة»، بينما بدا بوتين أنه حازم في «رفض الإكراه»، وهو ما يذكر أنه أعلنه من أن الولايات المتحدة سبق أن أبلغت القادة السوفيات مراراً، بأنها ستدمج روسيا في «إطار أمني أوروبي تعاوني لكن من الناحية العملية»، لكن الناتو يبقى عند بوتين إطاراً أمنياً تسيطر عليه الولايات المتحدة، وتستعجل أوكرانيا الانضمام إليه، لهذا كانت موسكو قد طالبت القوى الغربية الشهر الماضي بإجراءات أمنية واسعة النطاق، بينها:
أولا، منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو. ثانياً، يجب على الحلف إنهاء النشاط العسكري في أوروبا الشرقية وسحب القوات من بولندا وجمهوريات البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا). ثالثاً، يجب ألا ينشر الناتو صواريخ في دول قريبة من روسيا أو على الحدود معها.
لكن الولايات المتحدة ردت هي وحلف الناتو أن لأوكرانيا الحق في اختيار حلفائها. وهكذا نشبت الأزمة التي تشغل العالم الذي يتخوّف من أن تتحول أي حرب عادية فيها إلى حرب نووية كارثية، لكن بدا في الأسبوعين الماضيين أن احتمالاتها المقلقة بدأت بالانحسار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جولة في عقل القيصر جولة في عقل القيصر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon