بقلم : راجح الخوري
كان على الرئيس نجيب ميقاتي أن يضمن قدرته على دعوة حكومته إلى عقد جلسة على الأقل، قبل أن يقول للصحافيين مباشرة بعد الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن هذا يشكل خطوة مهمة لعودة العلاقات التاريخية بين لبنان والمملكة العربية السعودية، «وأريد أن أؤكد التزام حكومتي بالوفاء بالتزاماتها الإصلاحية»!
ربما كان عليه أن يتذكر، أنه بينما كان ذلك الاتصال جارياً، بعد الأزمة الخانقة التي ضربت علاقات لبنان بالسعودية ودول الخليج، كان «حزب الله» يواصل حملاته واتهاماته ضد السعودية والدول الخليجية، سواء عبر تلفزيون «المنار» أو عبر إعلام الانقلابيين الحوثيين، الذين يرعاهم ويدربهم عسكرياً، وفقاً للأجندة الإيرانية المعروفة، فكيف يتحدث ميقاتي عن قدرته على التزام حكومته الروزنامة الواضحة والحاسمة التي حددتها المباحثات بين ماكرون وولي العهد السعودي، التي تُختصر بكلمتين؛ استعادة الدولة اللبنانية من هيمنة دويلة «حزب الله»، وميقاتي يعرف جيداً أن الحزب هو الذي شكّل هذه الحكومة، وهو الذي يعطّلها الآن موقعاً السلطة التنفيذية اللبنانية في الفراغ والضياع، ما لم يتم ضرب كل السلطة القضائية عبر وقف المحقق العدلي طارق البيطار، الذي يتولى التحقيق في جريمة العصر، أي انفجار مرفأ بيروت؟
وكيف تمكن ماكرون من أن يقول مباشرة بعد الاتصال، إن لبنان والسعودية يريدان الانخراط بشكل كامل من أجل إعادة تواصل العلاقات بينهما، وهو الذي يعرف جيداً أن صفقة حساباته ورهاناته الضمنية مع طهران، التي تقوم على تقاطع المصالح في الإقليم بعد الانحسار الأميركي، وكذلك فوق الساحة اللبنانية، والتي أدت إلى تشكيل هذه الحكومة، انتهت بالتعطيل، فها هو ميقاتي يخرج من لقاء الرئيس ميشال عون يوم الخميس من الأسبوع الماضي ليقول بالحرف: «إن الحكومة ماشية، لكن مجلس الوزراء ليس ماشياً»؟
نعم، لبنان يريد الانخراط عميقاً في إعادة العلاقات الأخوية الحميمة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي كلها، لكنه مخطوف وينام في أسر دويلة «حزب الله» وحسابات طهران، ولهذا كان واضحاً تماماً منذ زمن، أن المشكلة في لبنان وليس مع الرياض، فقد بات منصة للاعتداءات على السعودية ودول الخليج عبر تصدير المخدرات وتصدير المقاتلين والمدرّبين لدعم حروب النظام الإيراني الممتدة من سوريا إلى العراق واليمن، حيث ينخرط الحزب في مساندة الحوثيين وتدريبهم والقتال إلى جانبهم، في وقت لا تتوقف فيه الاتهامات التي يطلقها من بيروت ضد كل دول الخليج العربي!
وإذا كان ميقاتي عاجزاً عن دعوة حكومته التي اختارت عنوان «معاً للإنقاذ» فتحّول نصفها تقريباً «معاً للهدم والتعطيل»، عبر التحالف بين «حزب الله» والرئيس عون الذي راح يدافع عنه بعد نشوب الأزمة مع الرياض والعواصم الخليجية، في تصريحاته خلال زيارته إلى الدوحة، فكيف أمكنه فعلاً الحديث عن التزام حكومته بتنفيذ التزاماتها، التي حددها البيان المشترك عن محادثات الرئيس ماكرون والأمير محمد، والتي كررها أيضاً البيان المشترك السعودي - الإماراتي الذي صدر يوم الأربعاء الماضي بعد محادثات الأمير محمد بن سلمان مع الشيخ محمد بن زايد خلال جولته الخليجية، التي تمهّد لقمة خليجية تاريخية ستعقد في السعودية، بما يعني أن الموقف الخليجي من لبنان موحد كقبضة اليد، وخلاصته الجوهرية... «ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح في يد الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية، وحاضنة للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كـ(حزب الله) الإرهابي، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم».
يوم الثلاثاء الماضي، ترأس ميقاتي اجتماعاً لبعض الوزراء وممثلي الهيئات الاقتصادية، ربما لأنه بهذا يعتبر أن «الحكومة ماشية»، وتشكّل بدلاً من مجلس الوزراء الذي تصادره «الثنائية الشيعية» على خلفية مسار التحقيق في جريمة المرفأ، وقال للذين جمعهم: «إن السعودية ودول الخليج ضاقت ذرعاً من قول الشعارات وعدم التنفيذ»، ولكأنه سيقدر هو على تنفيذ تأكيده بالتزام حكومته المخطوفة والمعطلة الوفاء بالتزاماتها، التي ربما قطعها في الحديث مع ماكرون والأمير محمد بن سلمان!
وزير الداخلية بسام مولوي الذي حضر الاجتماع قال إننا اجتمعنا لمتابعة موضوع التصدير إلى المملكة العربية السعودية، وسنقوم بإجراءات عملية حول كل ما يهدد علاقاتنا مع الدول العربية، وسنعمل سريعاً لضبط الحدود وكل المعابر، وعلينا أن نصل إلى نتيجة في موضوع التهريب الذي يحصل عبر لبنان، ولكن عندما سئل عن موضوع حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية كشرط أساسي للقدرة على هذا، ولعودة العلاقات السعودية اللبنانية قال بالحرف: «نحن ننفذ سياسة الدولة اللبنانية ونؤكد على مصالحها»!
طبعاً ليس من الواضح أين يمكن أن يُصرف هذا الكلام خارج شعار ميقاتي «ضاقوا ذرعاً»، لأن السؤال يبقى؛ أين هي الدولة اللبنانية؟ ومن يقرر سياستها ومصالحها؟ وهنا يأتيك الجواب مزدوجاً...
أولاً - عندما يقول وليد جنبلاط يوم الثلاثاء الماضي إن «حزب الله» يصادر القرار اللبناني، وإنه لو أنتجت مبادرة ماكرون مجرد إمكان اجتماع مجلس الوزراء، تكون معجزة، معتبراً أن البيان المشترك السعودي الفرنسي بيان موضوعي، يصرّ على تطبيق القرارات الدولية، وعند الحديث عن حصر السلاح بيد الدولة، فذلك يعني أن لا تكون أحزاب أقوى من الدولة، «وأن استعادة لبنان من المحور الإيراني تحتاج إلى ظروف دولية تسمح للبلد بأن يكون موجوداً»!
ثانياً - عندما يقول ريتشارد مور رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية (MI 6) أمام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في لندن، بداية هذا الشهر: «إن (حزب الله) بات دولة داخل الدولة في لبنان، وساهم مباشرة في إضعاف الدولة وفي الفوضى السياسية في لبنان، وهو ما يمثّل تكراراً للنموذج الذي نفذته إيران في العراق حيث تزرع بذور عصابات مسلحة تضعف الدولة من الداخل».
عندما عاد ميقاتي من زيارته إلى القاهرة قبل يومين، وجد على مكتبه تصريحاً من وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، يطالب لبنان باتخاذ موقف حاسم إزاء استمرار تدخل «حزب الله» في الشأن اليمني ودعمه للحوثيين، بعد مقتل الخبير والقيادي في الحزب أكرم السيد نتيجة قصف مدفعي من الجيش اليمني في جبهة أم ريش في مأرب، وقال: «إننا نطالب الحكومة والشعب اللبناني بوقف حاسم لاستمرار تدخل ميليشيات (حزب الله) في الشأن اليمني وتورطها في قصف المدن والقرى، وتوظيف قدراتها لدعم الحوثيين سياسياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً»!
ولكن أين الدولة؟ وأين الحكومة؟ وإلى أين لبنان؟