بقلم : راجح الخوري
كانت مجرد تغريدة «تويتر» قبل أيام، جاءت من علي حمادة، نجل رئيس مجلس النواب الراحل صبري حمادة، لكنها بدت مميزة في سياق كرة الثلج الشيعية، التي تتنامى سريعاً في وجه هيمنة «حزب الله» و«حركة أمل»، أولاً على الطائفة الشيعية في لبنان، وثانياً على القرار اللبناني بسطوة السلاح، وثالثاً على المسار السياسي، الذي لطالما عطّل الدولة والحكومات، وقمع بالقوة المعارضات التي برزت وتبرز في البيئة الشيعية، كما في غيرها على ما حصل بعد قيام ثورة «17 تشرين» عام 2019.
يقول حمادة في تغريدته «على وسائل الإعلام ورجال السياسة أن يتوقفوا عن استعمال كلمة (الثنائية الشيعية) للإشارة إلى (حزب الله) وحركة أمل، وكأنهم بهذا يريدون اختصار الطائفة الشيعية بهذين الحزبين، فهذا وصف مستفزّ للكثيرين من الشيعة الذين هم خارج هذه الثنائية».. هذه الكلمات تأتي طبعاً في سياق يتنامى سريعاً، مؤكداً أن كرة الثلج الشيعية المعارضة للهيمنة الثنائية، واستطراداً لسياسة التوسع الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، من اليمن إلى غزة مروراً بالعراق وسوريا، والتي وصلت إلى وقت لم تتردد في الإعلان تكراراً أن طهران باتت تسيطر على بيروت أيضاً، بدأت تأخذ حجماً قد يساعد على قلب صفحة الانهيار، التي جعلت صندوق النقد الدولي يعلن قبل أشهر، أن لبنان سجل أسوأ انهيار في التاريخ منذ مائتي عام.
قبل تغريدة حمادة قال الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي محمد علي الحسيني، إن حركة الاعتراض على «حزب الله» تتسع سريعاً داخل كل المناطق الشيعية، وخصوصاً في أوساط «البيئة الحاصنة»، التي تزداد اقتناعاً بأنه المسؤول الأول والمباشر عن الانهيار الاقتصادي والمالي المرعب الذي يعيشه المواطنون، إضافة إلى عزل لبنان وسلخه عن محيطه العربي، وتحويله منصة للإساءة إلى العرب، نتيجة سيطرته على الدولة والتحكم في قراراتها، وواضح أن ممارسات الحزب أفلست الدولة وأفقرت اللبنانيين، وخصوصاً الشيعة منهم، والاعتراضات الشيعية ضد الحزب قديمة «لكنه لطالما أخمدها من خلال سياسة الترهيب، والدعاية المضللة كالحديث الأجوف عن المقاومة».
بدت كرة الثلج تتعالى أكثر في معاقل الحزب على ألسنة الناس وعلماء الدين، وبدا الشيخ عبد السلام دندش من منطقة بعلبك الهرمل، قبل أيام صارماً في هجومه على قيادة الحزب ومخاطبته حسن نصر الله مباشرة بالقول «أنت تحمل المقاومة مثل قميص عثمان، فاسمح لنا بهذا، كل شعب لبنان مقاوم أما مقاومتك فتعيش منها في نعيم من دولارات أميركا (لم ينسَ اللبنانيون طبعاً قول نصر الله سابقاً إنه يدفع لعناصره بالدولار)، أما مقاومتنا فهي بالجوع والفقر، وأنت مقاوم بالتخمة والبطر، نحن مقاومون لكذبكم وللمرض والجهل الذي أورثتموه للمنطقة، وللخراب والفلتان اللذين تسببت فيهما لنا، أنتم مقاومون بالخداع والتعدي».
قد يكون هذا غيضاً من فيض ما صار يقال ضد «حزب الله» و«حركة أمل»، وإذا صح اعتبار اتساع هذه المعارضة الشيعية، بمثابة كرة ثلج تتدحرج سريعاً، فإن كرة التعطيل وإنهاك الدولة والحكومة، التي راكمها الحزب والحركة، وأدت دائماً إلى تخريب علاقات لبنان بأشقائه في دول الخليج العربي، وإلى إغراق لبنان في أزمة اقتصادية معيشية غير مسبوقة، بدأت تتفكك ولو شكلياً من خلال قرار الحزب والحركة التوقف عن تعطيل مجلس الوزراء، والعودة المشروطة إلى حضور الجلسات التي تتناول موضوعين، هما إقرار الموازنة وخطة التعافي التي يفترض تقديمها إلى صندوق النقد الدولي.
كان البيان الذي أعلن القبول بهذه العودة مدعاة لسخرية الكثيرين وللاستغراب في الوقت عينه، لجهة السخرية استهلّ البيان بالقول، يمر بلدنا الحبيب لبنان بأزمة اقتصادية ومالية لا سابق لها... وأن المدخل الرئيسي الوحيد لحلّ الأزمات وتخفيف معاناة الناس، هو وجود حكومة قوية وقادرة تحظى بالثقة وتتمتع بالإمكانات الضرورية للمعالجة، وقد بذلنا بالتعاون مع سائر الأفرقاء جهوداً حثيثة وقدمنا تنازلات كبيرة لتشكيل هذه الحكومة (!).
هكذا بالحرف وكأن اللبنانيين بمن فيهم الشيعة بلا ذاكرة، لا يعرفون أن هذه الحكومة شكّلها «حزب الله» وسمّاها حكومة خبراء حياديين، بعد 13 شهراً من الفراغ، انتهت باستقالة الرئيس سعد الحريري الذي لم يسهّل له تحالف الرئيس ميشال عون و«حزب الله» تشكيل الحكومة، أو لكأن اللبنانيين لا يعرفون أن الحزب والحركة عطلا الحكومة منذ ثلاثة أشهر، على خلفية مطالبتها بإزاحة القاضي العدلي طارق البيطار في جريمة المرفأ، وهو ما يتناقض كلياً مع مبدأ فصل السلطات ويؤدي إلى نسف السلطة القضائية.
وزيادة في مرارة السخرية، قال البيان إن الأزمة السياسية والاقتصادية وصلت إلى مستوى غير مسبوق؛ «لذا استجابة لحاجات المواطنين وتلبية لنداء القطاعات الاقتصادية والمهنية، ومنعاً لاتهامنا الباطل بالتعطيل ونحن الأكثر حرصاً على لبنان وشعبه، نعلن الموافقة على حضور جلسات مجلس الوزراء المخصصة للموازنة وخطة التعافي الاقتصادي...»!
ولكأن التعطيل يأتي من غير الحزب والحركة، أو لكأن الأزمة حصلت فجأة فاستيقظا عليها وكي لا يُتهما بـ«الباطل»، قررا العودة عن تعطيل مجلس الوزراء، ولكن بشرط أسوأ من خطأ التعطيل، ويدعو إلى ما هو أكثر من الاستغراب، عندما يحددان جدول أعمال مجلس الوزراء ويحصرانه ببندين، في حين أن الدستور ينيط صراحة برئيس مجلس الوزراء وضع هذا الجدول ليوافق عليه رئيس الجمهورية، وهو ما يشكّل تجاوزاً للدستور.
رئيس الحكومة نفى أن تكون هناك صفقة وراء قرار العودة، والغريب أنه اعتبرها عودة تنمّ عن إحساسهما بأوجاع اللبنانيين، لكن واضح أن التطورات نسجت صفقة مربحة جداً للحزب والحركة، أولاً لأن محكمة التمييز فقدت نِصابها القانوني بإحالة القاضي روكز رزق إلى التقاعد، بما يضع مهمة القاضي بيطار وتحقيق المرفأ على الرفّ، ريثما يتم الاتفاق على تعيينات قضائية جديدة ستطول حتماً لأن في وسعهما تعطيلها، وثانياً بمحاولة استدراك كرة الثلج الشيعية المتعاظمة، عبر القول لقد عدنا إلى الحكومة ولسنا من يتسبب في تعطيل الدولة واستفحال الأزمة التي تنهش اللبنانيين بمن فيهم «البيئة الشيعية الحاضنة»، ثالثاً بخلق سابقة لجهة حضور مجلس الوزراء على القطعة، عبر تحديد جدول الأعمال الذي يناسب الثنائية، ورابعاً بما يؤدي دائماً إلى التمترس وراء الميثاقية، انطلاقاً من تجويف الدستور، الذي يقول بالديمقراطية البرلمانية، أي على قاعدة الأكثرية والأقلية، والذي تمّ تحويره بقوة السلاح، في اجتماع الدوحة عام 2008، الذي وضع سابقة «الديمقراطية التوافقية» سلاحاً في يد الحزب والحركة لتعطيل الدولة ومؤسساتها عبر مصادرة الشريك الشيعي في الوطن!
ميقاتي ربط عودة الحزب والحركة بشعار «الجوع يدق باب الجميع»، ولكن هذا الجوع يدق الأبواب، منذ ما قبل قيام ثورة تشرين عام 2019، التي تشاركت الدولة مع الثنائية الشيعية في قمعها بالقوة، والآن إن العودة على القطعة إلى الحكومة، لن توقف قطعاً كرة الثلج الشيعية المعارضة التي تدق أبواب الحزب والحركة... ولعل من المناسب أن نتذكر ماذا يجري اليوم في العراق.