توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قاتل الملايين «شخصية» العام البائس؟

  مصر اليوم -

قاتل الملايين «شخصية» العام البائس

بقلم : راجح الخوري

يقفل العام مرة ثانية على سوريالية مخيفة، عندما تبدو كل دول العالم مثل كرة قدم تتقاذفها متحورات متلاحقة، يوزعها لاعب قاتل لا يُرى بالعين المجرَّدة، وهو جائحة كورونا، التي تجهد لتدخل التاريخ الإنساني التاعس، من بوابات الأوبئة المميتة مثل الإنفلونزا الإسبانية التي قتلت 40 مليون إنسان، فلقد قتل «كورونا» حتى الآن 5.4 مليون إنسان، وأصاب حتى الآن 280 مليوناً، آخرهم مليون يوم الأربعاء الماضي، ووضع المصابين في المستشفيات التي لم تعد تستوعب، والمجتمعات وراء الكمامة، والإنسان في الوحدة والابتعاد عن الآخرين، وأخيراً بأن يزرع رقاقة بحجم حبة الأرز تحت الجلد، لتكون هويته الثانية الضرورية التي تبيّن أنه تلقى اللقاحات المتلاحقة، التي يبدو أنها لن تتوقف تعزيزاً للحماية، وطبعاً لزيادة مليارات المصانع التي تنتج اللقاحات والرقاقات.
يوم الأربعاء الماضي حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الخطورة التي يمثلها متحور «أوميكرون» عالية جداً، في وقت سجلت دول كثيرة في العالم، من الصين إلى الولايات المتحدة مروراً بأوروبا والقارة الأفريقية، أعداداً قياسية للمصابين بسبب المتحورات شديدة العدوى من «دلتا» إلى «أوميكرون».
وإذا كانت وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية درجت على اختيار شخصية العام للشخص الأكثر فاعلية دولياً وتأثيراً إيجابياً وإنجازاً مفيداً، ففي ظل هذا العالم الذي يئن موتاً واختناقاً، ومرضاً ويبحث عن قارورة أوكسيجين، ومع اقتصاد يعاني ويترنح تحت قرارات الإغلاق، وكآبة إنسانية تتعمق مع التوحّد، وتراجع مستويات التعليم، وضيق مساحات التفاعل الاجتماعي، ومع عيد تاعس وموحش لنهاية سنة، في ظل كل هذا يتقدم وباء كورونا معربداً ويقتحم الأبواب صارخاً: أنا شخصية العام مرة ثانية!
من يستطيع أن يعترض، عندما تقول صحيفة «الغارديان» مثلاً، أنه لم يكد نصف سكان دول أوروبا، أي 250 مليون إنسان يخرجون من الحجر الصحي العام الماضي، حتى أعادهم «أوميكرون» و«دلتا» إلى حجر أقسى، وهذه إجراءات لم يعرفوها منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن 60 في المائة منهم يؤكدون رغبتهم في التزام العزل والعمل من البيوت، وفق استطلاع أجرته هيئة «إيفوب»، بما يعني أن الجائحة أثّرت على أطباع الناس، وأن تجربة الإغلاق العصيبة والطويلة داخل البيوت غيرت الأمزجة وقلبت قواعد الاختيار والاجتماع!
العالم تحت وطأة ضربة غير مسبوقة للاقتصاد، ويقول غاي رايدر، مدير منظمة العمل الدولية «إنها قطعاً الأزمة الأصعب منذ الثلاثينات عندما واجه العالم الكساد العظيم»، ذلك أن الخسائر على مستوى العالم العام الماضي تجاوز 3.7 ترليون دولار، وهذا أمر استثنائي، في حين تقول منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير عن التعليم «إنها سنوات لا يمكن تعويضها بعد زيادة التفاوت في حق الأطفال في التعليم».
لكن الوحش «كورونا» ومتحوراته المتلاحقة، لم يضرب قواعد الحياة وطرق التفكير والخيارات عند الإنسان فحسب، بل كشف عمَّا يقول البعض، العورات والتقصير المعيب والهائل في العالم، خصوصاً عندما يتذكر هؤلاء أن سباق الدول على إنتاج الأسلحة أو بالأحرى آلات الموت، هو عملياً أكبر بأضعاف أضعاف من سباق الدول على إنتاج اللقاحات لحماية الحياة!
ربما يبدو هذا الرأي مقبولاً نسبياً، ففي النهاية إن الوحشية كامنة في الإنسان ويمكن أن تأخذ وجهة نظر قاسية تصل إلى حد لا يصدق، عندما يسمح الإنسان مثلاً بأن يكون هو الذي يأخذ قرار موت أو حياة إنسان آخر، ليس في ميدان الحرب فحسب، بل على أسرّة المستشفيات وحيال المرضى العاجزين، وما إذا كان من المفيد للمجتمع والدولة، الإبقاء على حياة هذا المريض أو تركه للموت المؤكد، لمجرد أنه قطع مسافة معينة في عمره، وصار مقبولاً أن يموت، لكي يفسح في المجال لحياة من هم أصغر منه سناً؛ وذلك حرصاً على ديمومة أوسع لحياة المجتمع والدولة!
يا للهول فعلاً، حصل شيء من هذا العام الماضي في إيطاليا وإسبانيا في قمة جائحة كورونا، وسيحصل في دول أخرى عندما لا يعود في وسع المستشفيات أن تتسع لأعداد المصابين، وتقرر أن يذهب العلاج المتوافر إلى من هم أصغر سناً، ربما لأن المسنّين قد شبعوا من الحياة، أو لم يعد لديهم حق في الحصول على فرصة لإضافة سنوات أخرى إلى حياتهم!
الأمر هنا يتخذ فعلاً معنى مروعاً، عندما يجيز الإنسان طبيباً كان أو مديراً لمستشفى لنفسه حق اتخاذ قرار الموت أو الحياة، بغض النظر عن الذين ستتاح لهم فرص النجاة لأنهم من صغار السن، والذين عليهم أن يموتوا لأنهم تجاوزوا عمراً متقدماً!
فيا للهول، أوليس هذا تدخلاً فجاً في تقرير مسار الحياة الذي يحدد الأعمار والأقدار كما تؤمن شعوب كثيرة في هذا العالم البائس، أوليس هذا نوعاً من صناعة الموت وإتاحة الحياة يقررهما أولئك الذين اقسموا على حماية الحياة الإنسانية.
فعلاً يا للهول، ماذا فعلت بنا أيها الـ«كورونا» اللعين أنت ومتحوراتك المتلاحقة التي قتلت حتى الآن أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون إنسان، ويبدو أنها ستقتل مئات الملايين؛ ذلك أن منظمة الصحة العالمية، قدرت عدد المصابين يوم خلال يوم الأربعاء الماضي بمليون إنسان، هذا في وقت ما زال 70 في المائة من الناس لم يحصلوا على اللقاح بعد.
أكتب هذه الأسطر وأنا مصاب بالصدمة والهول وعدم التصديق، بعدما قرأت تقريراً سبق أن نشرته صحيفة «تلغراف» البريطانية قبل ثلاثة أسابيع، عن مخطط سري لتوفير العلاج لمن هم أصغر سناً عنوانه «مسار نهاية الحياة» وهو يهدف إلى حرمان مسني بريطانيا من الرعاية أثناء الجائحة، وكشفت الصحيفة عن وثائق سرية تظهر أن «هيئة الخدمات الصحية الوطنية» وضعت خططاً سرية، لسحب الرعاية عن الأشخاص في دور المسنين، ووضعهم على ما يسمى «مسار نهاية الحياة»، وحرمانهم من الرعاية في المستشفيات، لإتاحة الفرصة لعلاج الأصغر سناً، والأكثر إثارة وغرابة أن هذا المخطط سبق جائحة كورونا، التي ضربت بريطانيا، وأنه يعود إلى عام 2016 لمواجهة جائحة إنفلونزا.
رغم نفي الحكومة البريطانية، تؤكد الصحيفة، أن أكثر من 42 ألف مقيم في دور الرعاية في بريطانيا وويلز لقوا حتفهم أثناء الجائحة، وأخرجت المستشفيات آلاف المرضى من دور الرعاية، من دون إجراء أي اختبارات حول أحوالهم الصحية، وأمام كل هذا، وقد حصل شيء مشابه في إيطاليا وإسبانيا العام الماضي، بسبب جائحة كورونا، ليس في وسع المرء إلا أن يصاب بالصدمة المروعة، عندما تكشف الأمراض والجوائح أن في داخل الإنسان ينام وحش يستطيع أن يعطي لنفسه حق التقرير بمنح الحياة أو الموت لإنسان آخر، على قاعدة ما سمّاه البريطانيون «مسار نهاية الحياة» وهذا شيء رهيب مثل «كورونا» ومتحوراته المتلاحقة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قاتل الملايين «شخصية» العام البائس قاتل الملايين «شخصية» العام البائس



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon