توقيت القاهرة المحلي 10:32:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دويلة الأوهام والحزب الدولة!

  مصر اليوم -

دويلة الأوهام والحزب الدولة

بقلم : راجح الخوري

آخر إبداعات نجيب ميقاتي رئيس «حكومة الإنقاذ» اللبنانية الكسيحة، أنه صعد إلى بعبدا والتقى الرئيس ميشال عون بعد عودته من قطر، ثم خرج هاشاً باشاً بحمد الله ليقول للصحافيين بالحرف «الحكومة ماشية، لكن مجلس الوزراء مش ماشي»!
طبعاً هذا كلام بلا أي معنى، ما دام هو وعون يعجزان عن دعوة مجلس الوزراء للاجتماع لأن الثنائية الشيعية تعطّله بحجة انعدام الميثاقية، على خلفية المطالبة بقبع المحقق العدلي في جريمة المرفأ طارق البيطار، الذي يعني استطراداً قبعاً للسلطة القضائية.
هكذا صارت الدولة اللبنانية في «العهد القوي» المتحالف مع «حزب الله»، مجرد سلطة وهمية يديرها مسؤولون ضربهم الوهم، إلى درجة جعلت من لبنان أشبه ببلد يتسوّل دول العالم ورؤساءها لمساعدته، على محاولة الخروج من جهنم التي بشّر بها عون اللبنانيين قبل أشهر، وهكذا تتفاقم الأوهام عند هؤلاء المسؤولين كي لا أقول الرهانات الهامشية، عندما تتوسع تحركاتهم ورهاناتهم على أن يقوم وسطاء وزعماء من دول العالم، بحل أزمة لبنان الخانقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الشقيقة، ولو على قاعدة الرأفة والشفقة على الشعب اللبناني، الذي يدفع من حياته ومستقبله ولقمة عيشه، نتيجة قبول هؤلاء المسؤولين بهيمنة دويلة «حزب الله» وإيران على الدولة اللبنانية، لكن قياساً بالواقع الكارثي الذي أوصلوا لبنان إليه، صار الحزب هو الدولة وباتت دولتهم هي الدويلة المسخرة، التي يخشى رئيسا الجمهورية والحكومة فيها من دعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع؛ فالحكومة ماشية، لكن مجلس الوزراء مقعد وقعيد لا يمشي!
الأدهى ضمناً، وإن كانوا لا يتنبهون، أن في رهاناتهم الواهمة، أولاً على تصريحاتهم الإنشائية الفارغة حول «حرصهم العميق على العلاقات الأخوية مع الدول الخليجية الشقيقية»، وثانياً على دول من العالم، لتعمل على حل الأزمة مع دول الخليج، التي تسببت بها سياساتهم وسكوتهم وتعاميهم عن هيمنة إيران، التي قالت منذ زمن إنها باتت تحكم بيروت، فلم يردوا أو يحتجوا أو يستدعوا سفيرها أو سفيرهم، وكذلك عن هيمنة «حزب الله» الذي صار يربط الدولة بسلاح تعطيل السلطات، ويقفز بفائض القوة فوق إرادتها وسيادتها.
والأدهى فعلاً من كل هذا، أنهم لا يلاحظون أن في هذا الرهان على الوساطات الخارجية، أولاً إهانة ضمنية لمعنى السيادة اللبنانية التي يتبجحون بها، وثانياً إهانة لدول الخليج الشقيقة، التي لا تطالب لبنان بأكثر من أن يكون لبنان الدولة الحرة والمستقلة وذات السيادة، وأن القصة في النهاية ليست قصة تحتاج إلى وسطاء، بل تحتاج ببساطة ووضوح، إلى أن يقرر هؤلاء المسؤولون حماية بلدهم وانتزاع دويلتهم من هيمنة دولة «حزب الله».
بعد زيارته إلى الفاتيكان وفرنسا، قال ميقاتي، إنه على ثقة من أنه «بفضل حسن نية اثنين من أصدقائي العظام، قداسة البابا والرئيس إيمانويل ماكرون سينجح لبنان في الخروج من أزمته»، فيا لهول هذا الكلام، ولكأن لبنان لقيط ليس له سوى الرهان على المناشدات أو الضغوط الدولية والفاتيكانية والفرنسية والأميركية لحل مشكلته مع دول الخليج العربي الشقيقة؛ ولهذا مثلاً كان من المهين وربما المضحك أن يقول وزير الخارجية عبد الله أبو حبيب في موسكو بالحرف:
«لا يوجد بلد واحد يستطيع أن يساعد لبنان ليخرج من مشكلته، لكن الدول مجتمعة في إمكانها مساعدته، ولدى روسيا نفوذ وأصدقاء؛ لذلك طلبنا منهم أن يساعدوا في هذه المهمة لكي تخفف الدول ضغطتها على لبنان»!
غريب أنها دبلوماسية ما لا يعقل، فلماذا لم يطلب وزير خارجية هذه الحكومة «الإنقاذية» التي شكّلها «حزب الله»، عقد اجتماع لمجلس الأمن تحت الفصل السابع، لكي تحل الأمم المتحدة مشكلته مع دول الخليج، التي يكرر عون وميقاتي أنهما حريصان على العلاقات الأخوية معها، وهما المسؤولان في دولة مسلوبة عاجزة عن عقد اجتماع لحكومتها؟
فعلاً غريب، وفعلاً لبنان مسكين، واللبنانيون مساكين، وهذه الدولة التي يتحالف رئيسها عون مع «حزب الله»، ويتغاضى عن تورطه في القتال، من سوريا مع الإيرانيين، إلى اليمن مع إيران دعماً للانقلابيين الحوثيين، الذين يهددون السعودية ويدربونهم على إطلاق الصواريخ والمسيرات ضد الأراضي السعودية، في وقت يواصل الحزب حملاته التحريضية والتخوينية ضد السعودية ودول الخليج، وقد أظهرت فيديوهات مشاركة عناصره في تدريب الحوثيين تحديداً في مطار صنعاء الذي حوّله الإيرانيون قاعدة عسكرية لمهاجمة المملكة!
لا، القصة ليست قصة وساطات وضغوط يريد لبنان من دول العالم ممارستها مع السعودية ودول الخليج لحل مشكلته الخانقة معها، بينما يكتفي رؤساؤه بتكرار الكلام الإنشائي عن حرصهم على العلاقات الأخوية معها، في وقت يعجزون عن إقالة وزير أدلى بتصريحات همايونية هامشية لأن «حزب الله» يتمسك به تمديداً للأزمة ومضياً في تدمير إرادة السلطات اللبنانية!
لا، القصة هي أن يقرر المسؤولون في بيروت، من يقرر عن لبنان دول «حزب الله» أو «الدويلة اللبنانية» وقد تبدلت الأدوار، وجوهر القصة اختصره وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، منذ اليوم الأول، عندما قال «ليس هناك أزمة بين السعودية ولبنان الأزمة هي في لبنان».
ومن الواضح والمفهوم، أن في كل الكلام ما يختصر ضمناً كل ما سمعه المسؤولون اللبنانيون من باريس إلى واشنطن والفاتيكان والدوحة وموسكو، بمعنى إما أن يستعيد لبنان قراره وسيادته من الأسر، وإما ألا يستغرق في الأوهام، فمنذ أعوام يقول العالم للرؤساء اللبنانيين: ساعدوا أنفسكم لنساعدكم، ولكنهم باتوا أعجز من أن يساعدوا نفسهم، ويا لمرارة السخرية!
عندما كان عون في قطر قال، إن «حزب الله» ملتزم بالقرار 1701، وإنه لم يصدر عنه أي خلل منذ عام 2017، متناسياً أن القرار 1701 يتضمن نصاً الدعوة إلى تنفيذ القرار 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح كل الميليشيات وحصره بيد الدولة، ومتناسياً أنه يعطّل الدولة ونسف العلاقات مع الدول العربية الخليجية.
وربما لشدة هذا الحرص لم يتردد في صمت طويل ولم يرد عن سؤال حول إقالة وزير الإعلام، كما أنه عندما سئل مثلاً عن إدراج أستراليا «حزب الله» على لائحة الإرهاب، سأل مشككاً بالقرار الأسترالي «هل قامت أستراليا بهذه الخطوة بقرار ذاتي؟»، ولكأن سيدني مسلوبة القرار مثل بيروت!
أمام هذا، عندما يقول رئيس الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6) ريتشارد مور، يوم الخميس الماضي، إن «حزب الله» بات دولة داخل الدولة، وإن إيران زرعت عصابات مسلحة لتضعف الدولة من الداخل، وتقتل الذين يريدون حفظ القانون كما حصل مع مصطفى الكاظمي في العراق، وإن بريطانيا ترصد محاولات لسلوك مثل هذه السياسات في سوريا واليمن والخليج، هل سيتساءل عون مثلاً إن كانت بريطانيا تقول هذا بقرار ذاتي؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دويلة الأوهام والحزب الدولة دويلة الأوهام والحزب الدولة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon