توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فيينا قطبة قطبة كسجادة عجمية؟!

  مصر اليوم -

فيينا قطبة قطبة كسجادة عجمية

بقلم : راجح الخوري

عندما استؤنفت المفاوضات النووية في فيينا، عاد الوفد الإيراني حاملاً ثلاثة عوامل هدفها الاستمرار في المراوغة وكسب المزيد من الوقت، بعدما كانت طهران قد كسبت خمسة أشهر ونصف الشهر، بعد توقف المفاوضات التي بدأت في أبريل (نيسان)، ويونيو (حزيران)، واستهلكت ست جلسات من دون أي نتيجة، سوى تصاعد معادلة التحدي التي تتبعها إيران، أي تسريع عمليات تخصيب اليورانيوم ورفعه إلى درجة 60 في المائة، مقابل إبطاء وتيرة التفاوض في فيينا، عن طريق المراوغة وطرح الشروط والمطالب التي يعرف النظام الإيراني جيداً أنها لن تمر، خصوصاً في ظل مواقف حتى روسيا والصين، التي بدت أقرب إلى موقف دول الغرب في معارضتها لطموحات طهران النووية.
هذه المرة عاد الوفد الإيراني، بعد وصول الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، بثلاثة عوامل، أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها تعجيزية، هدفها المضي في المراهنة على مخططات كسب المزيد من الوقت، ما يساعد النظام الإيراني على المضي في تسريع التخصيب، وسط خلاف متزايد مع مراقبي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» الذين مُنعوا من الوصول إلى الكاميرات في منشأة ناطنز:
العامل الأول أن رئيس الوفد على باقري كني، بدا كمن جاء يحمل معه ممحاة كبيرة، عندما طلب في الجلسة الأولى أن تبدأ المفاوضات من الصفر، أي أن تُلغى كل النتائج التي أمكن التوصل إليها في الجلسات الست السابقة، وهو ما أثار استغراب حتى المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف والمندوب الصيني وانغ تسون، وسط انتقادات متصاعدة من الدول الأوروبية، ورفض جازم من الجانب الأميركي.
العامل الثاني أنه قدم ورقتين غير قابلتين للتطبيق؛ واحدة عرضت شروط طهران المستحيلة والتعجيزية، التي يطلبها النظام الإيراني من الولايات المتحدة، وهي كسر موقف الرئيس جو بايدن، بدعوته إلى رفع كل العقوبات أولاً ودفعة واحدة، مع توقيعه على آلية للتحقق، ما يعطي إيران حق الموافقة أو الاعتراض من منطلق موضوع التحقق، إضافة إلى مطالبته بأن يتعهد، في وثيقة خطية، بعدم عودة أميركا إلى إلغاء الاتفاق، وهو ما لا يستطيع بايدن التعهد به وإلزام الإدارات من بعده بهذا، وأيضاً التعهد بعدم دفع الشركاء الأوروبيين إلى الانضمام إلى تطبيق نظام العقوبات على إيران.
العامل الثالث أن إيران ترفض أن تأتي الخطوة الأولى منها، وترفض أيضاً مقترح الرئيس الأميركي بالتنفيذ وفق آلية «خطوة امتثال مقابل خطوة امتثال»، كما أنها ترفض البحث قطعاً في مسألة تطوير الصواريخ الباليستية وسياستها الإقليمية المخربة والمزعزعة للاستقرار، سواء جاء هذا في سياق توسيع نص الاتفاق أو حتى في سياق اتفاق ملحق به.
منذ عرض الموقف الإيراني التعجيزي الجديد، واجهت العودة إلى المفاوضات جموداً، واتسعت الاتهامات الموجهة إلى إيران، بأنها تدفع عملية التفاوض إلى الفشل، ومع بداية الحديث عن العودة إلى توسيع العقوبات وارتفاع التحذيرات الأميركية من وجود «بدائل أخرى»، في إشارة إلى عمل عسكري، وقد ترافق هذا مع تصعيد إسرائيلي بتوجيه ضربة إلى المواقع النووية الإيرانية، دخل الوفد الإيراني لعبة مدروسة للمناورة لكسب المزيد من الوقت، عندما أوحى علي باقري كني باستعداده للتراجع، على قاعدة قوله: «إن كل شيء قابل للبحث»، بمعنى واضح جداً لإسباغ لعبة الصبر وطول الوقت، أو بالأحرى بإسباغ عملية حياكة السجاد قطبة واضحة وقطبة مخفية، على استراتيجية التفاوض، لتأخذ مزيداً من الوقت المراوغ، في حين تدور عمليات التخصيب بسرعة كبيرة تضع إيران على عتبة امتلاك سلاح نووي!
مع جمود المفاوضات قال مسؤول إيراني: «من الذي انتهك الاتفاق؟ الأميركيون... من الذي يجب أن يعوّض عن ذلك ويكون مرناً؟ الأميركيون بالطبع»، كان هذا شرحاً موجزاً ووافياً للموقف الإيراني، الذي يريد ليس فرض شروط طهران على واشنطن وحلفائها الأوروبيين فحسب، بل مطالبتهم بتعويضات عن النتائج الخانقة التي ضربت الاقتصاد الإيراني نتيجة العقوبات.
أمام هذا، برز، في الأسبوعين الماضيين، عامل قرقعة السلاح والتلويح بالعمل العسكري، خصوصاً مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى واشنطن، حيث أعلن أنه أبلغ المسؤولين فيها عن «توجيهات أعطيت للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لضرب إيران، وعن موعد هذه العمليات»، وجاء هذا بعد تصريح وزير الدفاع الأميركي الجنرال أوستن لويد، الذي قال: «إن الإيرانيين يلعبون في فيينا، وأوروبا تعلم ذلك».
في سياق عرض العضلات العسكرية كانت القوات الجوية الأميركية قد أعلنت عن إجراء اختبار ناجح لقنبلة خارقة للتحصينات موجهة بالليزر من طراز «gbu72»، ويكتسب هذا النوع من القنابل أهمية قصوى في الحال الإيرانية، لأنه مخصص لاختراق حواجز صلبة من الخرسانة في أعماق الجبال، لكن إيران سارعت إلى الرد بالإعلان عن استعدادها لإطلاق صاروخ فضائي من منطقة سمنان، واعتبرت واشنطن أن هذه الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أقمار صناعية تتحدى قرار مجلس الأمن الذي يدعو إيران إلى عدم القيام بأي نشاط صاروخي باليستي قادر على حمل أسلحة نووية! ربما لهذا تعمدت إسرائيل قبل أيام الإعلان عن عملية سابقة نفذتها في 8 يونيو (حزيران) الماضي، مستعملة سلاحاً غير تقليدي في محيط دمشق وحمص، عندما استهدفت مواقع تحت الأرض تنتج غازات سامة، وأنها استعملت قنابل تخترق الإسمنت على سماكة كبيرة، وهو ما اعتُبر رسالة تحذير مباشرة إلى إيران.
لكن كل هذا العرض والتلويح بالقوة لم يعد في الواقع يتماشى مع طبيعة التفاوض في فيينا، حيث تحولت طاولة المفاوضات إلى ما يشبه رقعة شطرنج دولية تتقاطع فوقها حسابات مهمة ومؤثرة عند المفاوضين، وليس من المبالغة مثلاً أن يقرأ المرء في تبدّل الموقف الروسي الذي عبّر عنه ميخائيل أوليانوف، أولاً مستغرباً عودة الوفد الإيراني إلى ما قبل نتائج الجولات الست للمفاوضات، ليبدي تفهماً نسبياً لهذا، وبدا هذا كاستحضار للحسابات الدولية، مثل كرات على طاولة الشطرنج النووية، تقذف إلى جانب الكرة الإيرانية، أو بهدف استغلال المواقف منها لخدمة قضايا أخرى، بمعنى أن رائحة الأزمة الأوكرانية باتت حاضرة هناك، ويراها الأميركيون وشركاؤهم الأوروبيون بأم العين، تماماً كما أن رائحة الأزمة التايوانية حاضرة من خلال المندوب الصيني وانغ تسون، لكن بالتالي بمعنى أن يتذكر بايدن أن حساباته حيال النووي الإيراني تحتاج منه إلى أن يتذكّر جيداً حسابات روسيا في أوكرانيا، وحسابات الصين حيال تايوان، وأيضاً حيال الاندفاعات الحامية لمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد.
ومن الواضح أن الإيرانيين يمارسون ألعابهم البهلوانية في قبول الشيء اليوم والتراجع عنه غداً، وممارسة التفاوض على النووي على قاعدة استراتيجية حياكة الوقت قطبة واضحة وأخرى مخفية تماماً، مثل حياكة سجادة عجمية، لكن النظام الإيراني المخنوق اقتصادياً، بدليل ثقل الميزانية الجديدة للدولة، التي أعلن عنها قبل أيام، يمكن أن يدفعه ذلك للعودة إلى الاتفاق قبل أن يختنق!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيينا قطبة قطبة كسجادة عجمية فيينا قطبة قطبة كسجادة عجمية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon