توقيت القاهرة المحلي 11:42:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا استعجال نقل السفارة الأميركية إلى القدس؟

  مصر اليوم -

لماذا استعجال نقل السفارة الأميركية إلى القدس

بقلم - راجح الخوري

عندما وافق الكونغرس الأميركي عام 1995 على قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، سارع شيلدون أديلسون إلى الإعراب عن استعداده لتحمّل كلفة بناء المبنى؛ لكن القرار بقي في أدراج البيت الأبيض، وامتنع الرؤساء الأميركيون عن التوقيع عليه، إلى أن وقّعه دونالد ترمب نهاية العام الماضي، وهنا سارع شيلدون إلى تجديد عرضه تحمّل نفقات البناء، التي باتت اليوم تزيد على نصف مليار دولار.
لماذا كل هذا الإصرار على السخاء؟ هل لأن شيلدون رجل يهودي متحمس للحزب الجمهوري، وسبق أن دعمه بمبلغ 100 مليون دولار في انتخابات عام 2012؟ أو لأنه دعم حملة ترمب الانتخابية وتبرّع لحفل تنصيبه بمبلغ خمسة ملايين دولار؟ أو لأنه يدعم حزب الليكود وبنيامين نتنياهو، ويموّل صحيفة «هايوم» المتطرفة التي توزّع مجاناً في إسرائيل؟
هذه التساؤلات طرحت في كواليس الاجتماع الوزاري الأوروبي العربي، الذي عقد في بروكسل بداية الأسبوع، لبحث المخارج الممكنة لإنقاذ عملية السلام بعد قرار نقل السفارة. وكان من المثير بروز مخاوف مشتركة عند الجانبين العربي والأوروبي، من أن يكون في حسابات شيلدون - وهو إمبراطور كازينوهات القمار في لاس فيغاس وفي جزيرة ماكاو، والذي تقدّر «فوربس» ثروته بـ35 مليار دولار - توسيع أعماله، وإقامة كازينوهات للمقامرة في المدينة المقدسة!
قصة شيلدون وبناء السفارة ضاعفت الحرص على ضرورة اختراق الجدار المسدود بعد قرار نقل السفارة، وخصوصاً أنها تأتي في وقت واحد مع مفاجأة ترمب الثانية، الإسراع في نقل السفارة، الذي كان مقرراً في نهاية سنة 2019، ليصبح في 14 مايو (أيار) المقبل، أي يوم ذكرى النكبة، وهو ما يمثّل إهانة للفلسطينيين والعرب، ولقرارات الشرعية، وحتى لكل المواقف الأميركية السابقة حول ضرورة قيام الدولتين كأساس للتسوية في الشرق الأوسط!
كان من الواضح أن البيت الأبيض حاول التمويه على قرار نقل السفارة في ذكرى النكبة، عبر الإعلان عن أن «خطة السلام» التي يعدها اكتملت، وأنها استغرقت 13 شهراً من الدراسات، وقالت نيكي هيلي: «إن الطرفين لن يعجبا بالخطة؛ لكن أياً منهما لن يرفضها؛ لكنها مجرد صيغة لبدء الحديث»، بما يعني تالياً أنها مجرد «طبخة بحص» أخرى تقدم إلى الفلسطينيين، في حين تستمر عمليات القضم والتهويد التي كان آخرها محاولات جديدة، تمهّد للاستيلاء على مزيد من أراضي الأوقاف المسيحية، بعد محاولات السطو على المسجد الأقصى، وهو ما دفع إلى إقفال كنيسة القيامة لمدة يومين.
وفي سياق هذا التمويه، كان من المفاجئ أن يصل صهر ترمب جاريد كوشنير المكلّف متابعة التسوية، وجيسون غرينبلات مبعوث الرئيس ترامب لشؤون الشرق الأوسط، إلى الأمم المتحدة، ويطلبا عقد اجتماع خاص مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الـ15؛ حيث طلبا دعم الأمم المتحدة للخطة المتوقعة، التي رفضا الكشف عن عناصرها وتقديم أي توضيحات عنها، وحتى موعد طرحها.
ولعل هذا ما يؤكد أن كل هذا يأتي في إطار التعمية، ومحاولة عرقلة المساعي الفلسطينية والعربية مع الأوروبيين والروس، لتنظيم مخرج جديد ووضع مقاربة مشتركة لعملية السلام، تواجه التفرّد الأميركي والانحياز المطلق لإسرائيل، وقد ظهرت معارضته جلياً في وقوف 14 من أعضاء مجلس الأمن ضد قرار ترمب نقل السفارة، وهو ما اعتبرته نيكي هيلي «إهانة لن ننساها»!
من الغريب أن تطلب واشنطن دعم الأمم المتحدة التي طالما تجاوزتها وعطلت مفاعيلها، وخصوصاً أن هذه المطالبة جاءت مباشرة بعدما كان الرئيس محمود عباس (أبو مازن) قد أنهى قبل يومين، خطابه الذي ذكّر فيه بأن هناك مئات القرارات الدولية حول القضية الفلسطينية لم تنفذها إسرائيل، ولا حاولت واشنطن أن تدفعها لتنفيذها.
فعلاً غريب أن يذهب كوشنير وغرينبلات إلى الأمم المتحدة، طالبين دعم خطة يقولان إن الفلسطينيين والإسرائيليين قد يرفضونها، مباشرة بعد خطاب محمود عباس الذي طرح أمام مجلس الأمن خطة للسلام، تقوم على أساس عقد مؤتمر دولي موسع بحلول منتصف العام الحالي، تنتج منه آلية متعددة الأطراف تتضمن توسيع نطاق المرجعية الدولية للعملية السلمية، ضمن أسسها المتفق عليها، والاعتراف بدولة فلسطين وفق جدول زمني محدد، بما يضمن وقف الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، وإلغاء قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
كان واضحاً أن أبو مازن يتعمّد مواجهة الخطة الأميركية سلفاً، عندما كرر الموقف الفلسطيني الذي يرفض كل ما يدور في الكواليس عن حلول جزئية، وعن الدولة ذات الحدود المؤقتة، على ربع الضفة أو نصف الضفة: «وليس من داعٍ لنلعب على بعض، فنحن نعرف أن الحدود المؤقتة ستصبح دائمة… ولن نتحرك إنشاً واحداً إذا طلب منا أن نتنازل عن الحقوق والسيادة».
لماذا استعجال نقل السفارة، وقد جاء اختيار موعد نقلها في يوم النكبة بمثابة إلقاء للملح على جروح الفلسطينيين؟ هل لأن عباس يقترح مؤتمراً دولياً بمرجعية موسعة يعقد في منتصف هذا العام، إن لم يحرج قرار ترمب، فإنه سيتسبب بمزيد من العزلة للموقف الأميركي الذي يعارضه العالم؟ ولماذا تقرع واشنطن باب مجلس الأمن طالبة دعمه، بعدما أجمع على رفض قرار ترمب؟
بعد لقاء اللجنة الوزارية السداسية العربية مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وردت معلومات مهمة في مضمونها، تتلاقى مع ما قيل بعد زيارة أبو مازن إلى موسكو، ولقائه مع فلاديمير بوتين، عن إمكان وضع صيغة متعددة لعملية التسوية، وخصوصاً أن سيرغي لافروف كان قد أعلن أن موسكو ستعمل على عقد اجتماع عاجل للرباعية الدولية، يكون خطوة أولية لا بد منها.
في بروكسل، تبلورت الصورة أكثر، فقد أشارت تقارير وثيقة إلى التوصّل إلى تفاهم عربي أوروبي، على ضرورة توسيع اللجنة الرباعية الدولية، بحيث تضمّ دولاً عربية وأطرافاً دولية أخرى، على اعتبار أن مشاركة كل الأطراف ضرورية لتأمين إجماع دولي على مخارج التسوية.
الأهم أنه عندما يقال إن الجانبين تفاهما في سياق النقاشات على أن الدول العربية شركاء أساسيون في عملية السلام، فلا بد من أن تتبادر إلى الذهن عناصر «المبادرة العربية للسلام» التي تعطي التسوية السلمية على أساس قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بعداً إقليمياً يشمل دولاً عربية سبق أن لمّح إليه ترمب قبل أشهر!
ولعل هذا ما يضع واشنطن في النهاية أمام خيارات ضيقة: هل ترفض تسوية سلمية على قاعدة قبولها من الفلسطينيين ودول عربية مثلاً؟ أو تبقى واقفة ضد التسوية والإجماع الدولي؟ وهل تحترم قرارات مجلس الأمن التي تعتبر القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية؟ أو تقبل بأن يذكر التاريخ أنها ساهمت في تحويل القدس إلى كازينو لشيلدون أديلسون؟

 نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا استعجال نقل السفارة الأميركية إلى القدس لماذا استعجال نقل السفارة الأميركية إلى القدس



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon