توقيت القاهرة المحلي 14:01:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لكنه العراق في النهاية!

  مصر اليوم -

لكنه العراق في النهاية

بقلم : راجح الخوري

في الثامن من مارس (آذار) 2015 قال علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني: «أصبحنا إمبراطورية كما كنا عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا كما في الماضي، وإن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة؛ إما نتقاتل معاً وإما نتحد»!
كان ذلك يوم راحت إيران تزعم أنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، في إشارة واهمة إلى الإمبراطورية الفارسية الساسانية، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها، لكن لم يكن في حساب النظام الإيراني أنه سيأتي وقت تعمّ بغداد مظاهرات عارمة تدعو إلى خروج الإيرانيين «إيران برّا برّا»، وأن العراق سيعمل جدياً وبقوة على استعادة سيادته وحريته، وأن زمن نوري المالكي، رجل طهران في بغداد، سيتهاوى كما تهاوى «داعش» الذي انبثق من سياسته الفئوية، التي سلمت الموصل من دون أي مقاومة من الجيش الوهمي الذي كان يزعم أنه يحرسها.
منذ ذلك الوقت بدأ العراق يستعيد هويته وحريته رغم كل الضغوط وممارسات الهيمنة الإيرانية، التي تمثلت في محاولات تقوية الميليشيات المسلحة الإيرانية وجمعها تحت اسم «الحشد الشعبي»، الذي صحيح أنه قاتل ضد تنظيم «داعش»، لكنه كان وما زال يخطط لتكون له اليد الأمنية الطولى في البلاد، على ما يجري في لبنان حيث تبدو السيطرة لـ«حزب الله» الذي يقول أمينه العام حسن نصر الله إنه مقاتل في ولاية الفقيه!
في 18 يونيو (حزيران) الماضي، قال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، إنه سيذهب إلى الولايات المتحدة لتنظيم مستوى العلاقات العراقية - الأميركية، خصوصاً الوجود الأميركي في العراق وعملية انسحاب القوات القتالية، مؤكداً أن أميركا دولة مهمة وقوة عظمى ساعدت العراق في هزيمة «داعش»، وأن زيارته لن تقتصر على الجانب العسكري فقط بل ستتناول الجوانب الاقتصادية والثقافية والتعليم، وكل ما يصبّ في مصلحة الشعب العراقي ومستقبل العلاقات بين البلدين. وأضاف: «نتحدث مع الجانب الإيراني لأننا في حاجة إلى الاستقرار، ولأننا لا نرغب في أن يكون العراق ساحة للصراع الأميركي - الإيراني، ونعمل على آليات للتوافق بين الدولتين».
اقترنت زيارة الكاظمي لواشنطن وقمته مع الرئيس جو بايدن بتزخيم دعوات العراق لأن يكون ساحة لنسج تفاهمات إقليمية ولخلق جو من التعاون بين دول الجوار. وفي هذا السياق، ركّز الكاظمي على أهمية أن يعمل العراق على استضافة حوار إيراني - سعودي تحديداً، وانتهت القمة مع بايدن بالتأكيد الأميركي على الشراكة الاستراتيجية مع العراق، وعلى تعزيز الديمقراطية وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة برعاية الأمم المتحدة.
يوم السبت الماضي عُقدت في بغداد نتيجة جهود الكاظمي والقيادة العراقية، «قمة دول الجوار» أو «مؤتمر التعاون والشراكة» بمشاركة تسع دول هي: السعودية والإمارات والكويت وقطر ومصر والأردن وتركيا وإيران وفرنسا، إضافةً إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي. كان هدف هذه القمة أو المؤتمر ترميم علاقات العراق بمحيطه العربي والإقليمي، إضافةً إلى تخفيف التوترات الدبلوماسية في المنطقة، وتكتسب القمة أهمية وحساسية في هذا الوقت، قياساً بما تمر به دول المنطقة من أوضاع متوترة، وهذا ما يعطي العراق دوراً فاعلاً كساحة حيوية دبلوماسياً على صعيد تنشيط العمل لتحسين العلاقات وطي صفحة الخلافات، وإيجاد مساحة مشتركة للتفاهم بين المحورين العربي والإقليمي وتقليص فجوة الخلافات بينهما، وأجمع المراقبون على أهمية نجاح العراق في تنظيم هذه القمة، من منطلق أنه قلّما تشهد الساحة السياسية العربية والإقليمية مثل تلك القمم.
ويرى المراقبون أن القمة جاءت ضمن تنشيط السياسة الخارجية العراقية، وتشكّل إسهاماً واضحاً في إبعاد العراق عن صراع الأقطاب، الذي ينعكس سلباً على البيئة العراقية، وكما قال الكاظمي في كلمته الافتتاحية، إن القمة تشكّل وفاءً لما عاهدت به حكومته بإعادة العراق إلى دوره الريادي في المنطقة، وأنه يأمل أن يشكل المؤتمر منطلقاً وقاعدة لإعادة إعمار ما دمّرته الحروب، مشدداً على رفض بلاده استخدام أراضيها ساحة للصراعات.
وبدا واضحاً أن العراق يعوّل على المؤتمر لتعزيز الشراكات والمشاريع مع الدول المشاركة، وأنه يعوّل على أن يكون المؤتمر خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة، إضافة إلى استعادة دور بغداد الإقليمي والدولي وتحقيق أجواء إيجابية بين جميع الدول التي شاركت في المؤتمر.
إيران التي لطالما رأت وتصرفت على قاعدة أن العراق يشكّل حديقتها الخلفية، وأنه يمثل القاعدة الشرقية لجسر تدخلاتها ونفوذها الممتد عبر سوريا إلى لبنان وغزة، لم تكن مرتاحة قطعاً لأن يلعب العراق هذا الدور الإقليمي خارج أسوارها، خصوصاً أن تركيز مصطفى الكاظمي على أن دور الدولة يجب أن يسيطر على ما يسميه دور اللادولة، في إشارة واضحة إلى «الحشد الشعبي» الذي تديره إيران كجيش رديف ينافس الجيش العراقي، تماماً كما يحصل في لبنان حيث يشكّل «حزب الله» دويلة تسيطر تقريباً على دور الدولة العاجزة عن تشكيل حكومة، والذي أعطى نفسه مثلاً حق استيراد المحروقات من إيران من دون أن يسأل الدولة رأيها أو يتوقف عند العقوبات التي ستلحق بلبنان إذا استورد نفطاً من إيران!
وفي هذا السياق كان من الواضح جداً أن دعوة الكاظمي إلى عقد هذا المؤتمر المهم، جعلت النظام الإيراني يكظم غيظه العميق، وقيل إن طهران أشارت أولاً إلى أنها ستقاطع المؤتمر لأن الرئيس إبراهيم رئيسي ليس مستعداً بعد للقيام بزيارات خارجية، وهو ما دفع الكاظمي إلى إرسال وزير خارجيته فؤاد حسين، إلى طهران لإقناعه بعدم التغيّب، فكان أن أوفدت طهران وزير خارجيتها أمير حسين عبد اللهيان، الذي أثار منذ اللحظة الأولى استياء واستغراب الوفود، التي تعرف ضمناً أن نجاح العراق في تنظيم مؤتمر إقليمي مهم من هذا النوع، يشكل دليلاً على أنه خرج ويخرج عن الوصاية التي تحاول إيران فرضها عليه ولو بالقوة أحياناً.
وهكذا برزت عنجهية عبد اللهيان وغطرسته وفظاظته حتى، منذ اللحظة الأولى، ففي خطوة مفاجئة وخلال وقوف الرؤساء والمسؤولين المشاركين في المؤتمر لالتقاط الصورة التذكارية، تحرك عبد اللهيان تاركاً المكان المخصص له بروتوكولياً في الصف الثاني مع وزراء الخارجية، وتقدم بلامبالاة ليقف في الصف الأول المخصص للرؤساء والزعماء والأمراء والشيوخ، رغم أن المشرفين على البروتوكول لفتوا نظره إلى ذلك بتمرير ورقة إليه، لكنه كان واضحاً أنه يتعمّد الإيحاء بأن لإيران دورها الحاسم في العراق، وحتى في كلمته قفز فوق الروح التصالحية التي سادت جو المؤتمر ليتحدث متدخلاً في الشؤون الداخلية العراقية، من خلال مطالبته بخروج القوات الأميركية من العراق، وانتقاده القيادة العراقية لعدم دعوتها النظام السوري للمشاركة في أعمال المؤتمر. وأكثر من هذا زعم في كلمته أن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران هو 300 مليار دولار، ما أثار استهجان الحاضرين وسخريتهم، ليصحح كلامه بالقول إن التبادل بلغ 13 مليار دولار، وزيادة في التدليل على انزعاج وضيق طهران من المؤتمر انتقل عبد اللهيان فور انتهاء أعمال المؤتمر ليقوم بزيارة إلى دمشق!
تستطيع طهران أن تكظم غيظها وغضبها من نجاح مصطفى الكاظمي والدولة العراقية في تنظيم هذا المؤتمر المهم، الذي يسهم عملياً في زيادة سحب السجادة العراقية من تحت أقدام النظام الإيراني، الذي مضى بعيداً في التعامل مع العراق كأنه مجرد إقليم ملحق به، أو مجرد جسر شرقي لنفوذه الميليشياوي في دول المنطقة وصولاً إلى بيروت وغزة، ولكنه العراق في النهاية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكنه العراق في النهاية لكنه العراق في النهاية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"
  مصر اليوم - رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز غلوب سوكر

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon