توقيت القاهرة المحلي 10:57:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق بين انتفاضتين

  مصر اليوم -

العراق بين انتفاضتين

بقلم-د. نيفين مسعد

فى التاريخ الحديث للعراق كانت شعلة الاحتجاج ضد الاحتلال عادة ما تنطلق من الجنوب، حدث هذا فى ثورة العشرين التى وحدت العراقيين شيعة وسنة ضد المستعمر البريطاني. وتكرر هذا فى عام 2003عندما اندلعت المقاومة المسلحة ضد القوات البريطانية المتمركزة فى الجنوب، ولم تتوقف هذه المقاومة إلا بعد إجبار البريطانيين على الانسحاب نهائيا من الجنوب فى عام 2007 أى قبل عدة سنوات من الانسحاب الأمريكي. ومع أن إيران كانت هى المستفيد الأكبر من إطاحة نظام صدام حسين، إلا أن الجنوب كان لتمددها بالمرصاد ومنه خرجت المظاهرات التى تؤكد عروبة العراق وترفض الهيمنة الإيرانية. من هذا التاريخ المشّرف للجنوب العراقى أتوقف أمام انتفاضتين شعبيتين محددتين لأنهما تبعثان بمجموعة من الرسائل المهمة تفيد فى استشراف المستقبل.

بعد أيام من تحرير الكويت وتحديدا فى بداية مارس 1991 انطلقت انتفاضة شعبية ضد نظام حكم صدام حسين، وُصِفَت هذه الانتفاضة بالشعبانية، لأنها تمت فى شهر شعبان، وكانت بدايتها من البصرة لكن ذروتها كانت فى النجف حيث تحول مرقد الامام علّى رضى الله عنه إلى مركز للحشد والتعبئة. استمرت الانتفاضة الشعبانية أسبوعين وهوجمت فيها مؤسسات الدولة من أول مقار حزب البعث الحاكم وحتى مديريات الأمن، وواجه الجيش العراقى والحرس الجمهورى الانتفاضة باستخدام القوة المفرطة ما أوقع عددا كبيرا من الضحايا بعد أن كاد المتظاهرون يسيطرون على مدينة النجف، وبالتالى طوِيت هذه الصفحة التى لم يُسَلَط عليها ضوء كافٍ من تاريخ الجنوب العراقي.

وفى 8 يوليو 2018 انطلقت انتفاضة شعبية أخرى من البصرة لكن البصرة ظلت هذه المرة ممسكة بقيادة الانتفاضة مع امتداد نطاقها إلى محافظات جنوبية أخري. استهدفت الانتفاضة مواقع شديدة الحساسية شملت حقول النفط وميناء أم قصر ومطار النجف ـ دع عنك المقار والمبانى الحكومية ـ واختلف التعامل الحكومى معها عن عام 1991، فمع التصدى بحسم لعمليات التخريب لمنشآت الدولة إلا أن رئيس الوزراء زار البصرة وأكد حق التظاهر السلمى ،وأعرب عن تفهمه لعدالة مطالب المحتجين.

من هاتين الانتفاضتين نلتقط عددا من الرسائل الأساسية، الرسالة الأولى والأهم أن مشكلة العراق لم تكن أبدا مشكلة مذهبية مهما حاول البعض توظيف التنوع المذهبى للعراق من أجل تأجيج الفتنة بين أبنائه. فكم هى دالة هذه المقارنة بين شعار يسقط صدام الكافر الذى كان يعلو جدران محافظات الجنوب فى 1991، وشعار ما بدنا حاكم ملتح بدنا حاكم يستحى الذى رفعه المحتجون فى 2018، والدلالة هى أنه أيا من كان حاكم العراق فإن معيار الحكم عليه هو سياساته وليس مذهبه أو علاقته بالدِّين، مع التحفظ بالطبع على مسألة التكفير. لقد عانى سكان الجنوب ولايزالون من التهميش الاقتصادى - الاجتماعى لصالح المركز، وهذه المعاناة تتضخم أكثر حين يرى الجنوبيون وأبناء البصرة بالذات أن محافظتهم هى الأكثر إسهاما فى الدخل القومى والأقل تمتعا بالعائدات النفطية. ذهب حكم حزب البعث وجاء حكم حزب الدعوة وعبر البصريون عن رفضهم التهميش بطرق مختلفة بما فى ذلك مطالبتهم بإقليم فيدرالى مثل كردستان حتى يتم تقاسم الثروات بشكل عادل ولا يبقى سكان البصرة يستجدون الأموال من الحكومة الاتحادية فى بغداد كما قال أحدهم.

الرسالة الثانية أنه طالما ظل التهميش فإن إسكات صوت المحتجين قمعا أو سلما لا يعنى إخماد النيران فتلك النيران ستشتعل مجددا فى أى لحظة، وبالذات فى ظرف الأزمة. قد تتمثل هذه الأزمة فى هزيمة عسكرية وعقوبات اقتصادية كما فى 1991، أو فى استقطاب سياسى و مصاعب إعادة الإعمار ،وهاجس عودة الإرهاب كما فى 2018. المهم أنه فى الحالتين يوجد عدم عدالة فى توزيع الموارد حتى إن محافظة النفط تشكو انقطاع الكهرباء والمنفذ البحرى الوحيد لديه مشكلة فى المياه، وفى الحالتين هناك فساد سياسى فرغم اجتهاد العبادى فى محاربة الفساد مازال العراق فى طليعة الدول الأكثر فسادا على مستوى العالم إن لم يكن على رأسها.

الرسالة الثالثة عن الدور الخارجى فى تأجيج الغضب وهذا وارد فى الحالتين، لكن المشكلة داخلية بالأساس ولو لم تكن كذلك ما تفهم المرجع الشيعى الأعلى آية الله على السيستانى مطالب المحتجين. وللتذكرة فقط فإن إيران فى عام 1991 لم تدعم انتفاضة الجنوب ولو دعمتها لتغيرت أمور كثيرة وقد كان بإمكانها أن تفعل بسهولة، فالنظام العراقى فى وضع دفاعى أمام العالم، وإيران على العكس فى وضع مثالى بعد أن قدّرت لها دول غربية وعربية حيادها المزعوم. ومن الجائز أن الولايات المتحدة ساهمت فى تصعيد غضبة الجنوب عام 2018، لكنها بالتأكيد لم تحرك مقتدى الصدر الزعيم الشيعى صاحب الشعبية الكبيرة فى محافظات الجنوب كما أوضحت الانتخابات الأخيرة، بل إن هذه الشعبية نفسها دليل على محدودية تأثير الخارج على الجنوبيين ،سواء كان هذا الخارج هو الولايات المتحدة أو إيران نفسها.

الحل السليم للمشكلة يقتضى تشخيصا سليما لها، والتاريخ والواقع يقولان إن أبناء المحافظات الجنوبية يريدون مواطنة كاملة، وقد رفعت حكومة البصرة للمركز قائمة بـ 26 مطلبا، والرقم دال لضخامته، وما لم يتعامل المركز مع هذه المطالب بجدية لا بسياسة التهدئة حتى تمر العاصفة، فسوف يظل الجنوب مهدا للاحتجاجات العراقية.

نقلا عن الأهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق بين انتفاضتين العراق بين انتفاضتين



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon