توقيت القاهرة المحلي 11:26:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانتخابات البلدية التونسية

  مصر اليوم -

الانتخابات البلدية التونسية

بقلم - نيفين مسعد

 يستحق شهر مايو 2018 أن نطلق عليه شهر الانتخابات العربية، ففيه أجريت الانتخابات البلدية التونسية والبرلمانية اللبنانية ، واليوم تنطلق عملية التصويت فى الانتخابات البرلمانية العراقية. والانتخابات الثلاثة تشترك فى أنها تؤشر على تطورات سياسية محتملة، ويترامى تأثير بعضها إلى المستوى الإقليمي، بل إنه قد يدخل فى حسابات الدول الكبرى لتوازنات القوة فى المنطقة. لكن مساحة هذا المقال مخصصة للحالة التونسية على أمل أن تتاح لاحقا فرصة للتعرض للحالتين اللبنانية والعراقية.

تستمد الانتخابات البلدية التونسية أهميتها من مصدرين أساسيين، المصدر الأول هو التجربة التونسية ككل ومسارها فى الانتقال الديمقراطى منذ عام 2011، والمصدر الثانى ينبع من واقع الانتخابات البلدية نفسها . بالنسبة للتجربة التونسية فهناك اهتمام دولى كبير بها باعتبارها أساس التجارب العربية فى الإطاحة بالنظم الاستبدادية، وهى بالفعل كذلك علما بأنه عادة ما تحدث مبالغة شديدة فى تقييم حصاد هذه التجربة خصوصا من وجهة النظر الغربية، وهناك فارق كبير بين القول إن المخاض التونسى كان أسهل من غيره، وبين القول إن تونس نموذج للانتقال الديمقراطى .مثل هذا الاهتمام بل والمبالغة الشديدة فى تقييم التجربة التونسية نلمسه فى مؤشرات عديدة آخرها كثافة المراقبة للانتخابات البلدية، إذ شارك فى هذه المراقبة ما يربو على 6000مراقب من عشرات المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية حسبما ورد فى تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان.

أما بالنسبة لأهمية الانتخابات البلدية هى نفسها فترتبط بأنها الأولى التى تجرى على هذا المستوى بعد إطاحة نظام بن علي، فيما شهدت تونس ثلاثة استحقاقات انتخابية وهى انتخابات المجلس الوطنى التأسيسي، ثم الرئاسة ومجلس نواب الشعب. تأجل إذن إجراء الانتخابات البلدية ثلاث مرات، مرة للخلاف على القانون المنظم لها، ومرة للخلاف على القانون الذى يحدد صلاحيات البلديات، ومرة لاستقالة ثلاثة من أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بما فى ذلك رئيس الهيئة نفسه والخلاف حول من يخلفهم، ثم وبعد طول انتظار أجريت الانتخابات فى 6 مايو الحالي. ومع أن انعقاد هذه الانتخابات يعتبر خطوة مهمة بحد ذاته لاسيما مع الحاجة إلى مواجهة مشكلات البلديات المتفاقمة، لكن الأهم تلك الصلاحيات الواسعة التى أتاحها القانون لهذه البلديات على نحو جعلها تحتل منزلة وسطا ما بين الحكم المحلى والحكم الذاتى . يكفى أن نعرف أن البلديات صار من حقها أن تبرم اتفاقات شراكة مع نظيراتها فى أى دولة من دول العالم، وأنها يحق لها أن تفرض ضرائب على سكانها لتمويل احتياجاتها التنموية، وأن تجرى استفتاء شعبيا على أولويات برامجها . وعلى حين كفل القانون للوالى ( المحافظ) إقالة رئيس البلدية، فإنه أعطى هذا الأخير الحق فى اللجوء للقضاء فإن أنصفه عاد إلى منصبه. هكذا فإن توسيع دور المجالس البلدية يهدم تراث المركزية الشديدة التى ميزت الحكم فى تونس على مدى عقود طويلة.

من المبكر الحديث عن نتائج نهائية لبلديات تونس فى انتظار البت فى الطعون و إعادة الانتخابات فى الولايات التى شهدت عنفا انتخابيا، ومع ذلك فإن المؤشرات تفيد أن حركة النهضة حلت فى المركز الأول فى عدد من الولايات ومن بعدها جاء حزب نداء تونس، فالقاعدة تقول إنه فى كل مرة تنخفض معدلات التصويت تحقق الأحزاب الإسلامية نتائج أفضل لأنها تحافظ على قدرتها على التعبئة. وفى الانتخابات البلدية الأخيرة بلغت نسبة التصويت نحو 35% وهى نسبة محدودة جدا مقارنة بأهمية الانتخابات التى سبق ذكرها، علما بأن الشباب كانوا أكبر المقاطعين، وفى هذا السياق تراجع موقع النداء للمركز الثانى .

لقد بنى حزب النداء خطابه السياسى على أساس أنه ضد النهضة وهذا فى حد ذاته ليس برنامجا للعمل لأنه عرّف الحزب بما ليس فيه لا بما يخطط لإنجازه ، ومع ذلك فقد وجد الناخبون النداء يتحالف مع النهضة وهذا أضعف من مصداقية الحزب . بطبيعة الحال هناك من يعتبرون علاقة النداء والنهضة نموذجا للتوافق، لكن النداء كحزب مدنى لا يترك مناسبة لنقد النهضة وتأكيد أن تقاربه معها تمليه المصلحة السياسية البحتة ( أى تشكيل الحكومة)، أى أن الغاية تبرر الوسيلة وهذا منطق لا يسيغه كثيرون. ومن المؤكد أن أصواتا معارضة لهذا التحالف ارتفعت أيضا من داخل حركة النهضة وتسببت فى بعض الانشقاقات كانشقاق رياض الشعيبى عضو المكتب السياسى للنهضة، لكن انشقاقات النداء كانت أكثر لأن هناك عوامل أخرى فعلت فعلها ومن ذلك وجود عدد كبير من التجمعيين الدستوريين الذين ثار الشعب ضدهم بين صفوف النداء، وتحميل حكومات النداء المسئولية عن عدم حل المشكلة الاقتصادية الحادة التى تضرب البلاد، رغم أن لهذه المشكلة تحديدا أسبابا أبعد من حكم النداء بسنين طويلة.

هذا شأن النداء فما بال الأحزاب المدنية الأخرى لم تحرز نتائج مرضية؟ إن الجبهة الشعبية التى يتزعمها حمة الهمامى قطب اليسار الكبير تعانى أزمة تواصل مع الناخبين وترفع سقف مطالبها إلى مستوى يتعذر بلوغه، وحزب منصف المرزوقى رئيس تونس الأسبق فَقَدَ تميزه الذى لازمه وهو يقود النضال ضد بن على وذاب فيما يسمى حزب حراك تونس الإرادة، وحزب مشروع تونس المنشق عن النداء والذى يتزعمه محسن مرزوق تحيط به علامات استفهام كثيرة، والتيار الديمقراطى وباقى الأحزاب الأخرى ضعيفة القواعد الشعبية أصلا ، ولعل هذا جزء من أزمة أكبر تضرب الحياة الحزبية فى منطقتنا العربية . فهل ترسم الصورة السابقة حدود ساحة التنافس السياسى رئاسيا وبرلمانيا فى عام 2019؟ يفتَرض المنطق ذلك وإن كنت على المستوى الشخصى أتصور أن النهضة لن تطرح مرشحا للرئاسة، تماما كما فعلت فى 2014 وأنها ستركز أكثر على توسيع حصتها فى مجلس نواب الشعب وبالتالى على المساهمة بدور أكبر فى تشكيل الحكومة .

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات البلدية التونسية الانتخابات البلدية التونسية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon