توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى (3)

  مصر اليوم -

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3

بقلم - د. طه عبد العليم

تشكلت لجنة التجارة والصناعة في مارس 1916, وضمت ممثلي الرأسمالية في الصناعة المصرية، وكان تشكيلها تعبيرا عن تطلع الرأسمالية في مصر بجميع أقسامها ـ الأجنبية الوافدة، والمقيمة المتمصرة، والوطنية المصرية- الي مضاعفة مكاسبها من الأرباح الصناعية، في ضوء ما أبرزته الحرب العالمية الأولي من فرص متاحة وامكانات كامنة. وعقب ثورة 1919، التي مثلت المقدمة السياسية للانقلاب الصناعي الرأسمالي الوطني تحت قيادة بنك مصر، أخذت الحكومات المتعاقبة بكثير من توصيات اللجنة.

وأسجل، أولا، أنه امتدادا لدور بريطانيا في تصفية مشروع محمد علي لتصنيع مصر، أعلن لورد كرومر، ممثل سلطات الاحتلال البريطاني والحاكم الفعلي لمصر تحت الاحتلال: أن سياسة الحكومة تتلخص في: أولاً, تصدير القطن الي أوروبا، وثانياً، استيراد المنسوجات القطنية من الخارج؛ مضيفا أنه ليس في نية الحكومة أن تحمي صناعة القطن المصري، لما في ذلك من ضرر ومخاطر!! متجاهلا أنه لا صناعة حديثة بغير زراعة متطورة. وفي ظل السياسة الاستعمارية، كان منطقيا أن تتراكم خسائر الشركة المصرية الانجليزية ولم تنج من الانهيار إلا بزوال النظام المعادي للصناعة الذي نشأت في ظله. وثانيا، أن لجنة التجارة والصناعة في تقريرها، الذي صدر في ديسمبر 1917، لخصت أهم المشكلات التي تواجه تأسيس وتطوير الصناعة الحديثة، وأبرزت غياب حماية الانتاج المصري باعتباره أهم المشكلات، وطالبت اللجنة بتعديل النظام الجمركي الذي لم يستهدف سوي زيادة الدخل وتجاهلت احتياجات تنمية الإنتاج القومي. كما قدمت اقتراحات استهدفت فتح الطريق أمام تأسيس وتطوير الصناعة الحديثة في مصر، وابرزت مشكلات تمويل الصناعة، وارتفاع نفقات الوقود، وضيق سوق استهلاك المصنوعات، ونقص العمالة الفنية. وإقرار اعفاءات ضريبية للصناعة، وخفض أجور النقل بالسكك الحديدية، ومنح الأفضلية في المناقصات الحكومية للمصنوعات المصرية، وفتح مدارس ومعاهد صناعية, وتقديم القروض لإنشاء وتطوير بعض الصناعات، والتوسع في منح المساعدات المالية للمشروعات العامة المفيدة للصناعة، وانشاء بنك لمساعدة الصناعة، واحلال محركات الديزل المستهلكة للمازوت محل المحركات البخارية، وانشاء مصلحة حكومية للاشراف علي تطور التجارة والصناعة.

وثالثا، أن بريطانيا- تحت ضغط ثورة 1919- قد اضطرت إلي إصدار تصريح 22 فبراير 1922، الذي اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة. ورغم ما عرف بـالتحفظات الأربعة، التي جعلت هذا الاستقلال شكليا، فقد تمكنت مصر استنادا اليه من إصدار دستور 1923. وفي إطار ما انتزعته مصر من حقوق السيادة ومن زاوية التحول في السياسة الاقتصادية وتعزيز الادارة الوطنية للاقتصاد تضمنت نصوص الدستور مواد عززت الرقابة البرلمانية علي ميزانية الدولة، واستهدفت حماية الموارد الوطنية، وقننت فرض الضرائب. كما جري انتخاب أول برلمان في مصر في عام 1924, وحازت فيه قيادة الثورة- ممثلة في حزب الوفد- علي 195 مقعدا من 214 مقعدا، وأصدر البرلمان قرارات منها: وقف اختيار الأجانب كممثلين للحكومة بالشركات الأجنبية، وتأكيد أفضلية المنتجات والشركات الوطنية في المشتريات والعطاءات الحكومية، وزيادة التمويل الحكومي للتعليم.. الخ.

ورابعا، أن الدستور قد نص علي أنه لا يجوز إنشاء ضريبة أو تعديلها أو الإعفاء منها إلا بقانون، وفي مواجهة عقود الامتياز التي منحت بلا ضابط، نص الدستور علي أن كل التزام موضوعه استغلال مورد من موارد الثورة الطبيعية في البلاد أو مصلحة من مصالح الجمهور العامة لا يجوز منحه إلا بقانون ولزمن محدود. وإن ظل النصان مقيدين حتي انتهاء الامتيازات الأجنبية في عام 1937. واتخذ البرلمان قرارات استهدفت إعادة السيادة القومية في مجال صنع السياسات الاقتصادية، خاصة النقدية والمالية، واتجهت الي دعم الرأسمالية الصناعية والزراعية الوطنية الصاعدة. وقد ساند حزب الوفد مطالب بنك مصر تحت قيادة مؤسسة طلعت حرب، وأعلن موقفه الداعم للصناعة القومية بنداء وجهه إلي الشعب في عام 1992؛ داعياً المصريين إلي إيداع أموالهم في بنك مصر وشراء أسهمه ليتسني له أن يساعد في إحياء المشروعات الوطنية، وتفضيل المصنوعات الوطنية والإعلان عنها وتشجيع الإقبال عليها، وتفعيل التعامل مع التاجر المصري ومقاطعة التاجر الإنجليزي مقاطعة تامة.

وخامسا، أن الحكومة قد منحت الأولوية في المشتريات الحكومية لمنتجات الشركات الصناعية المحلية، وقدمت قروضا للصناعة، وأودعت لدي بنك مصر مبالغ بهدف إقراض الصناعة، ثم قررت تأسيس البنك الصناعي واكتتبت بأغلبية في أسهمه. واستجابة لتهديد أصحاب مصانع النسيج بوقف الانتاج بسبب تراجع أرباحهم- نتيجة لأزمة الثلاثينيات الاقتصادية، ثم فرض التسعيرة الجبرية للأقمشة خلال الحرب العالمية الثانية- قررت الحكومة تقديم دعم من القطن الرخيص. وتحت ضغط اتحاد الصناعات جاءت التعريفة الجمركية موفقة الجهد بين مقتضيات حماية وتطور الانتاج المحلي وحاجات الخزانة المتزايدة، ثم تقرر منح إعفاءات للسلع الانتاجية والمواد الأولية المستوردة، وزيادة الرسوم علي الواردات من غزل ونسج القطن السميك والمتوسط، وفرض رسوم أعلي علي تشكيلة كبيرة من السلع الاستهلاكية المستوردة. وزادت عناية الحكومة بالتعليم الصناعي فتضاعف نحو عشر مرات معدل النمو السنوي لأعداد طلاب المدارس والمعاهد الصناعية. ورغم شروط العمل القاسية وظروفه الصحية السيئة وانعدام الحماية القانونية لعمال الصناعة قاوم اتحاد الصناعات المصرية- وساندته الحكومة- صدور التشريعات العمالية الاجتماعية والنقابية.

وباختصار، فان النظام البرلماني الليبرالي في فترة ما بين ثورة 1919 وثورة 1952 لم يكن مجرد واجهة شكلية أقامها الاستعمار والقصر، وإنما انتزعته الحركة الوطنية في غمار صراعها ضدهما. وفي ظله استجابت السياسة الاقتصادية- وإن جزئيا وتدريجيا- لاحتياجات التصنيع الرأسمالي الوطني كما عبرت عنها مجموعة بنك مصر تحت قيادة طلعت حرب.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3 مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon