بقلم : د. طه عبد العليم
حذر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، من أن صواريخ أمريكية ذكية وجديدة ستضرب سوريا بزعم هجوم بأسلحة كيمياوية فى دوما، فى تصعيد للتوتر الدولى مقارنة بالضربات الصاروخية على مطار الشعيرات العسكرى وسط سوريا استندت الى ذات الذريعة. وفى تكرار لسيناريو حرب تدمير العراق بذريعة ثبت بطلانها وهى حيازته أسلحة دمار شامل؛ أعلنت مندوبة الولايات المتحدة فى مجلس الأمن وبصلافة معهودة أن بلادها سترد على الهجوم الكيميائى فى دوما، مهما كان موقف مجلس الأمن!! وفيما تتوالى التكهنات حول شكل الهجوم وطبيعة الأهداف المحتملة، جددت موسكو تحذيرها على لسان نائب وزير خارجيتها من وصول مستوى التهديدات حد اندلاع مواجهة عسكرية روسية أمريكية.
ومهما يكن ما تحمله الأيام وربما الساعات المقبلة من تطورات تبقى حقيقة أن أمريكا تنتصر للإرهاب وليس للمبادىء فى دفعها العالم الى حافة الهاوية. وأكتفى هنا بايجاز حقيقتين. الحقيقة الأولى، أن موقف مصر الثابت من الأزمة السورية قد انتصر دوما للمبادىء والمصالح العربية العليا. فقد أكد الرئيس السيسى أن الأولوية الأولى لمصر هى دعم الجيش الوطنى فى ليبيا- لفرض سيطرته على الأراضى الليبية ومحاربة العناصر المتطرفة وتحقيق الاستقرار- ودعم مصر للجيش السورى والجيش العراقى فى محاربة الإرهاب. وأوضح السيسى أن الموقف المصرى تجاه الأزمة السورية يتأسس على خمسة محددات رئيسية هى: احترام إرادة الشعب السورى، وإيجاد حلّ سلمى للأزمة، والحفاظ على وحدة الأرض السورية، ونزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة، وإعادة إعمار سوريا وتفعيل مؤسسات الدولة. ومع تصاعد الدعم الروسى للدولة السورية، أعلن وزير خارجية مصر أن ما لدى مصر من معلومات تؤكد تصميم روسيا مكافحة الإرهاب ووقف انتشاره، وأن هدفها هو توجيه ضربة قاصمة لـداعش فى سوريا والعراق، وأن دخول روسيا بإمكاناتها وقدراتها فى هذه الحرب سيحد من تأثير الإرهاب فى سوريا ويدعم القضاء عليه.
وفى هذا السياق، رفضت مصر فى مجلس الأمن الاتهامات الجزافية حول تورط الجيش السورى فى حادثة الهجوم الذى يُشتبه أن يكون كيميائيا فى أدلب، وأعلن مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى بيان أمام مجلس الأمن: أن نقص الأدلة والبراهين يجعل قراره عبثيا. ثم صوتت مصر فى أبريل 2018 لصالح مشروع قرار روسى بشأن مزاعم استخدام الحكومة السورية السلاح الكيمياوى فى دوما، وقال مندوبها فى مجلس الأمن إن تصويتنا لم يكن يستهدف سوى التعبير عن موقف مصر التى ضاقت ذرعا من التلاعب بمصير الشعوب العربية. وكان الموقف المصرى متسقا مع دورها منذ تولت مصر رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن، حيث نجحت فى استصدار قرار للأمم المتحدة يؤكد أن الإرهاب انتهاك لحقوق الإنسان، وأن من حق الدولة محاربة كل أشكال الإرهاب وحماية مواطنيها منه. وفى الوقت نفسه، سعت مصر لتأييد جميع جهود إنهاء مأساة الشعب السورى ووضع نهاية للإرهاب والعنف، وأسهمت فى استصدار قرار مجلس الأمن رقم 2165 ثم القرار 2254، اللذين طالبا جميع الأطراف فى سوريا، والسلطات السورية خاصة، بالوفاء التزاماتها وفقًا لأحكام القانون الدولى والقانون الإنسانى الدولى، والتجاوب السريع مع مطالب إيصال المساعدات الإنسانية، والالتزام بتسهيل عملية سياسية انتقالية فى سوريا.
والحقيقة الثانية، أن محاولة اسقاط الدولة السورية ومغامرة الصدام مع روسيا يتسقان مع المفهوم الأمريكى للأمن القومى، الذى يجعله مرادفا للهيمنة العالمية، ويعبر عن مصالح للمجمع الصناعى العسكرى الأمريكى فى صنع السياسة الخارجية الأمريكية لمضاعفة أرباحها، مهما تغير الرؤساء وتكوين الكونجرس. وقد أوردت فى مقال سابق ما سجله السيناتور الأمريكى ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى الأسبق وليم فولبرايت فى كتابه (ثمن الإمبراطورية، 1989)، يقول: إن مصالح المجمع الصناعى العسكرى أملت سياسة خارجية أمريكية ورطتنا فى سباق تسلح متصاعد وفرضت علينا الدفاع عن (حرية) يصعب تعريفها. ويخلص فولبرايت لأن التاريخ يكشف بوضوح أننا لم نكن قادرين أو عازمين على تعيين الأشخاص الأفضل ولا على خلق الحكومات الآمنة والمستقرة والديمقراطية فى كل البلدان التى تدخلنا فيها، وأنه كما كان الأمر عبر التاريخ، يبقى التهديد الأعظم مبعثه الحمقى فى الداخل وليس الأعداء فى الخارج.
وعشية حرب بوش لتدمير العراق كتب بوب جراهام- رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي- مقالا مهما بجريدة الواشنطن بوست, أعلن فيه أنه قد صوت ضد قرار الكونجرس بتفويض الرئيس بوش سلطة استخدام القوة ضد نظام صدام حسين. وأوضح أن معارضته انطلقت من أن التهديد الأكثر الحاحا لأمن أمريكا هو الشبكات الخفية للمنظمات الارهابية الدولية, التى بمقدورها أن تكرر مأساة 11 سبتمبر, وليس صدام حسين . ومن ثم فان قرار الكونجرس يرتب بشكل خاطيء وخطير الأولويات القومية الأمريكية لأن الأولوية القومية القصوى هى الحرب ضد الارهاب وليس ضد صدام بل إن الأخير قد يلجأ لاستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية فى ضربات ارهابية, للرد على هجوم تقوده أمريكا ضد بغداد, وفق تقدير للمخابرات المركزية الأمريكية نشر مؤخرا. ويمكن هنا أن يحل اسم بشار الأسد محل اسم صدام حسين، لتتأكد صحة ما أعلنته باستقامة: إن أمريكا تنتصر للإرهاب وليس للمبادىء. وبجانب البلدان المعتدى عليها يدفع الشعب الأمريكى ثمنا فادحا، كما سجل جوزيف ستيجليتز الاقتصادى الأمريكى الحاصل على جائزة نوبل، والذى أعلن فى مقاله بعنوان «التكلفة الحقيقية لحرب العراق» (واشنطن بوست 5 سبتمبر 2010) أن تقديره لهذه التكلفة بثلاثة تريليونات دولار- والتى تحملتها الموازنة الأمريكية والاقتصاد الأمريكى- أقل من الحقيقة بكثير، لأنه لم يتضمن ما يعرف بـتكلفة الفرص الضائعة، حيث ما يتم تخصيصه لمسرح عمليات معين، يخصم من الموارد التى كان يمكن تخصيصها لأغراض أخرى، وهو ما يفسر ضغوط ترامب الهادفة لأن تتحمل دول الخليج العربية ثمن العدوان المرتقب على سوريا. وأما الموقف الأوروبى المغلف بدوافع إنسانية فيستهدف عدم السماح بتصفية الفصائل العسكرية فى الغوطة، قدرت بين 20 ألفا و30 ألف مسلح، ينتمون الى تنظيمات إرهابية، أهمها: جيش الإسلام وفيلق الرحمن وأحرار الشام وتنظيم النصرة المرتبط بتنظيم القاعدة، بل وداعش.
نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع