د. طه عبد العليم
تتناقض الرؤى فى مصر شأن غيرها فى الموقف من الاحتجاجات المناهضة للحكومة الايرانية. إذ يراهن البعض، على قدرة طهران على استيعاب حراك الشارع المنتفض ضد ارتفاع الأسعار ومزاعم الفساد، آملا فى صمود دولة معادية لأمريكا واسرائيل، أو راجيا صمود نموذج الدولة الدينية. وينبرى البعض الآخر، للدفاع عما يصفونه بثورة الجياع المترتبة على سعى الدولة الايرانية لتوسيع نفوذِها الاقليمى وفكرها المذهبى على حساب التنمية والفقراء، متمنيا سقوط دولة الفقيه الدينية، أو مروجا لفكرة الثورة الاجتماعية.
وتكشف قراءة ما يجرى فى ايران ومتابعة المواقف الدولية والاقليمية مما يجرى حقيقتين لمصر ومحيطها العربى والاقليمى، أولاهما، أنه لا يمكن تجاهل ما يجرى فى ايران بثقلها الاقليمى بل والعالمى، وثانيتهما، أن المستقبل المنظور يؤكد أن ايران إما تستمر نموذجا لدولة الفقيه الدينية التى تتدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية لتوسيع نفوذها المذهبى والسياسى فى مناطق الوجود المهمة للشيعة فى المشرق العربى ومنطقة الخليج، أو تعود أدراجها الى دولة القومية الفارسية التى تسعى للهيمنة فى دول جوارها العربية بالتحالف مع أمريكا واسرائيل ضد المصالح العربية.
ومكتفيا هنا بقراءة الموقف الأمريكى الاسرائيلى مما يجرى فى ايران، أزعم أن أمريكا تراهن على اسقاط النظام الايرانى؛ تجنبا لمخاطر شن حرب عليها بقيام نظام بديل موال لها وحليف لإسرائيل، أو أملا فى امتداد الفوضى الخلاقة/ الهدامة اليها بغية تفكيكها وتركيعها. وفى هذا السياق أفهم ترحيب السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة، نيكي هايلى، بـشجاعة الشعب الإيرانى فى الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ 28 ديسمبر، وهى التى توعدت بالأمس القريب دول العالم إن رفضت قرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس على حساب الشعب الفلسطينى وحقوقه الانسانية والمشروعة. بل وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تبحث الدعوة الى اجتماعٍ طارئ لمجلس الأمن، ومخاطبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف لاتخاذ موقف ضد إيران. وأضافت، وهى التى عميت عن اضطهاد الشعب الفلسطينى واغتصاب حقوقه وتجاهلت قرارات الأمم المتحدة، أنه فى ايران تتجسد صورة واضحة لشعب طالما تعرّض للاضطهاد من قبل الأنظمة الديكتاتورية!, وأن الحريات التى تتضمنها مواثيق الأمم المتحدة تتعرض للانتهاك في إيران! وعلى الأمم المتحدة أن تتحدّث، ويجب ألا نلتزم الصمت إزاء الناس يصرخون طلباً للحرية، وأن كل محبي الحرية يجب أن يقفوا إلى جانب قضيتهم، وان المجتمع الدولي ارتكب غلطة بالتخاذل بفعل ذلك عام 2009، ويجب علينا ألا نرتكب تلك الغلطة مجدداً! وقال دينيس روس، مساعد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط، إن ما تريد أمريكا رؤيته في إيران هو تغيير في سلوك النظام في الخارج ووقف دعمه لدول وحركات بمبالغ مالية طائلة تؤدي إلى التسبب بالمشاكل الاقتصادية في الداخل، كما أقر بأن موقف الإدارة الأمريكية السابقة حيال تحركات عام 2009 في إيران كان يمكن أن يكون أفضل. وأضاف أن هناك إحساسا واضحا بوجود مشاكل وأزمات اقتصادية في إيران وهناك شعور عام بأن مغامرات إيران في الخارج مكلفة جدا بالنسبة للإيرانيين في الداخل، وأن هذه المظاهرات تذكّر النظام الايرانى بالتحركات التي أدت إلى إسقاط الشاه. وقال إن الخيار الأسوأ بالنسبة لأمريكا هو نفسه الخيار الأسوأ بالنسبة للشعب الإيرانى وهو أن يتمكن النظام مجددا من القضاء المبرم على التحركات عوض أن يعدّل من سلوكه في الخارج. مضيفا أن ما لا نريده هو ظهور مشاكل داخلية في إيران تدفع النظام إلى البحث عن نوع من المواجهة الخارجية من أجل صرف الانتباه عن الداخل. ودعا إلى كشف ما تنفقه إيران في الخارج، معتبرا أن هذا سيكشف كيف أن تصرفات النظام الإيرانى في الخارج تؤدى إلى زيادة المشاكل في الداخل. وختم بأنه من المهم لإدارة ترامب ألا تظهر على أنها تحاول زيادة المشاكل في إيران لأن ذلك لن تكون له مصداقية. وهو فى هذا يتفق مع تحذيرات محللين وباحثين سياسيين أمريكيين من أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الاحتجاجات في إيران، لا تساعد المتظاهرين الإيرانيين بل تضرهم، لأن النظام الإيراني يستخدمها لتشويه صورة المتظاهرين وكذريعة للقمع. وأكدت المحللة الإيرانية الأمريكية هولي داغرس أن تصريحات مماثلة من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وقت احتجاجات إيران عام 2009 لأنهم كانوا يعلمون أن ذلك سيزعزع الثقة في المتظاهرين وسيمنح النظام الإيراني فرصة ليصف المتظاهرين بأنهم عملاء للخارج. وكان ترامب قد أعاد مساء السبت الماضى نشر مقتطفات من خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر الماضى، الذي هاجم فيه النظام الإيراني، قائلا: إن الأنظمة القمعية لا يمكنها أن تستمر إلى الأبد، وسيأتي اليوم الذي سيتخذ فيه الشعب الإيراني خياره. وأضاف ترامب في تغريدة له: «على الحكومة الإيرانية احترام حقوق شعبها، بما في ذلك حق التعبير.. العالم يراقب».
وعلى خطى الموقف الأمريكى جاء الموقف الاسرائيلى من الانتفاضة الايرانية. وهكذا، فقد أعلن وزير المخابرات والنقل الإسرائيلي يسرائيل كاتس فى اجتماع للجنة الشئون الخارجية والدفاع بالكنيست، بأن اسرائيل تود أن ترى إزالة النظام المضطهد واستبداله بالديمقراطية!! وأن نجاح المظاهرات بتغيير النظام سيزيل التهديدات الإيرانية ضد إسرائيل. وانتقد دعم ايران للإرهاب والعنف فى سوريا ولبنان وغزة، مشيرا إلى أن إيران زادت من دعمها منذ ترك حماس لقطر. وعدّد كاتس الطرق التي تفرض فيها إيران قوتها بالمنطقة قائلاً: إنه من المذهل الطريقة التي ترتبط بها إيران بكل الأمور، سواء كان ذلك بطموحاتهم النووية العسكرية أو محاولاتهم لتعزيز قوتهم العسكرية في سوريا، أو تدريب الميليشيات الشيعية وتطوير صواريخ حزب الله.
وبسبب ما يمكن أن يتسع له مقال، آمل أن أعود مجددا- إن كان فى العمر بقية- الى تناول المواقف الدولية والاقليمية والعربية من إيران وانتفاضتها، وقراءة وقائع ودروس الانتفاضة الايرانية، وتاريخ ومستقبل العلاقات المصرية الإيرانية، ثم للتعريف بايران التى لا ينبغى لمصر- أو غيرها- تجاهلها.
نقلا عن الاهرام القاهريه