توقيت القاهرة المحلي 11:15:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الهولوكوست» والعودة بحرا وبرا

  مصر اليوم -

«الهولوكوست» والعودة بحرا وبرا

بقلم : د. عبد العليم محمد

 القوة السافرة مهما تكن قدرتها على القتل والتدمير غالبا تقصر عن تحقيق أهدافها، أو على الأقل تتعثر فى تحقيق هذه الأهداف المنوطة بها، فى حين أن تغليف هذه القوة بدعاوى أخلاقية وقيمية وحضارية، يدعم فاعلية هذه القوة وتأثيرها، ويغطى على تداعيات استخدامها الكارثية، ومن ثم فإننا نجد فى التاريخ سواء منه الوسيط أو الحديث أو المعاصر أن استخدام القوة ترافق دوما مع شعارات وقيم تخفى حقيقة المصالح التى تحرك استخدام هذه القوة، فالصليب فى الحروب التى انتسبت إليه، كان براء منها والدفاع عن العالم المسيحى والمسيحية لم يكن سوى شعار يخفى أزمات ومصالح القوى والإمبراطوريات الأوروبية، التى قادت هذه الحملات.

فى الحالة الإسرائيلية كان استخدام القوة فى معظم المراحل وحتى الآن مغلفا «بالاستقلال» تارة وبالدفاع الشرعى عن النفس تارة أخرى ومحاربة «الإرهاب» الفلسطينى تارة ثالثة، ومن خلال الحرب الدعائية والنفسية الصهيونية والإسرائيلية والدوائر التى ترتبط بها فى الغرب يبدو أن إسرائيل حتى الآن تكسب الجولة الأخلاقية وتخفى حقيقة استخدام قوتها تحت شعارات أخلاقية وقيمية، فهى الدولة الديمقراطية وامتداد للحضارة الغربية فى المنطقة العربية وتدعى «نبل السلاح» الذى تستخدمه لمواجهة الإرهاب وتحقيق الأمن.

وفى هذه اللحظات الفارقة فى تاريخ القضية الفلسطينية يبدو أن استراتيجية المواجهة الراهنة لابد أن تأخذ فى اعتبارها ضرورة نزع الغطاء الأخلاقى عن إسرائيل، وكشف طبيعة عنصريتها إزاء العرب والفلسطينيين، وهى المعركة التى يبدو أننا حتى الآن لم نخضها بعد.

وهذا الطريق الطويل الذى علينا شعوبا وحكومات ومنظمات مجتمع مدنى أن نسير فيه، قد يبدأ بخطوة ألا وهى مطالبة المجتمع الدولى ومنظماته وهيئاته بانطباق جريمة «الهولوكست» أو جريمة الإبادة على الشعب الفلسطينى عبر ملف تاريخى موثق حول عمليات التطهير العرقى والطرد والتشريد والتمييز العنصرى الذى مارسته إسرائيل قبل وبعد نشأة الدولة.

طالب الأرمن بذلك فى عام 1987 أى بانطباق جريمة الإبادة على ما تعرض له الأرمن فى تركيا عامى 1915، 1916 وحصلوا على اعتراف البرلمان الأوروبى بانطباق هذا المفهوم عليهم فى وثيقة تاريخية صادرة عنه.

والهدف بالتأكيد فى الحالة الإسرائيلية هو كسر احتكار إسرائيل واليهود «للهولوكست» وإنهاء التفرد والاستثنائية التى يحظى بها اليهود لأن ذلك أفضى إلى استمرار اليهود فى اعتبارهم الضحية الأولى، ووضعهم فى صدارة المعاناة الإنسانية.

مطالبة المجتمع الدولى بذلك يعنى مطالبته بعدم وضع تراتبية للمعاناة، ذلك ان كافة أشكال المعاناة إنسانية وتستحق الإدانة والاستنكار، اليهود، الأرمن الشعب الفلسطينى، العبودية، الهنود الحمر، ويجب إنهاء التمييز فى المعاناة وتفضيل إحداها على الأخرى وحتى بافتراض عدم نجاح العرب حكومات وشعوب ومجتمع مدنى فى تحقيق هذا الهدف، فإنه بلا شك ستفضى هذه المحاولة للفت أنظار قطاعات كبيرة من الرأى العام الغربى نحو ما يجرى فى أرض فلسطين وسيتساءل الكثيرون هل حقا ارتكبت إسرائيل جريمة «الهولوكوست» بحق الشعب الفلسطينى وسيضطرون للاطلاع على الرواية العربية الفلسطينية الغائبة خاصة فى هذه الآونة التى تزداد فيها المقاطعة الرسمية والشعبية لإسرائيل فى العديد من الدوائر الغربية. ربما يجد الإسرائيليون فى ذلك محاولة لسرقة تاريخهم على غرار ما صرح به «إسحق شاهير» لدى إعداد منظمة التحرير الفلسطينية فى عام 1987 سفينة العودة عقب إبعاد إسرائيل لبعض المدنيين الفلسطينيين، وهى العملية التى أدانها مجلس الأمن فى قراره رقم 607، صرح شامير حينئذ قائلا «إنهم يسرقون تاريخنا» فى إشارة إلى السفينة التى كانت تحمل المهاجرين اليهود «إس إس باتريا» عام 1939 ورفضت سلطات الانتداب البريطانى آنذاك السماح لهؤلاء المهاجرين بالنزول إلى شواطئ فلسطين فى مدينة حيفا، نظرا لأنها كانت قد حددت أعداد هؤلاء المهاجرين، ورغم أن الوكالة اليهودية قد حاولت إثناء سلطات الانتداب عن هذا القرار؛ إلا أنها لم تنجح فى ذلك، وحينئذ كلف موسى شاريت وكان مسئول الدائرة السياسية بالوكالة اليهودية عن طريق عصابات «الهاجاناه» بتفجير السفينة وقام عملاء «الهاجاناه» بوضع متفجرات بجوار محركات السفينة وراح ضحية هذه العملية ما يقرب من 260 مهاجرا وأصيب 172 آخرون.

لقد ساهم الفلسطينيون فى إنقاذ ضحايا «إس إس باتريا» وأمدوهم فى ميناء حيفا بالملابس والأغطية والأغذية ومن بين من أنقذوهم بعض من أصبحوا ضباطا فى جيش الدفاع الإسرائيلى وقاموا بالعديد من العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين، وكأنهم فقدوا إنسانيتهم وذاكرتهم.

كذلك فعلت الموساد بسفينة العودة الفلسطينية حينما قام عملاؤه بتفجير السفينة، وتعطلت عن الإبحار إلى فلسطين.

العودة الفلسطينية آتية لا ريب فيها إن عن طريق البحر أو البر، فالشعب الفلسطينى لا يزال وبعد مائة عام من المقاومة قادرا على صنع الدهشة وابتكار الوسائل الجديدة والسلمية وغير المسبوقة لفرض قضيته على مختلف الدوائر، وفى مواجهة من يريدون تصفية قضيته ويعرف الشعب الفلسطينى قواعد الاشتباك المدنى والسلمى فى ظل اختلال موازين القوى.

نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الهولوكوست» والعودة بحرا وبرا «الهولوكوست» والعودة بحرا وبرا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon