بقلم - د. عبد العليم محمد
«العملية الشاملة سيناء 2018» التى تنفذها القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع أجهزة الشرطة، للقضاء على الإرهاب فى سيناء، يتطابق مسماها مع الواقع، بمعنى أن الشمول الذى توصف به هذه العملية له أكثر من معنى، الأول أنها تنصرف إلى مواجهة شاملة للإرهاب تمتد إلى الوادى والدلتا والظهير الصحراوى الغربى وكافة المحاور الاستراتيجية الحدودية فى الغرب والجنوب والشمال والشرق، برا وبحرا وجوا، أما المعنى الثانى فيشير إلى اشتراك كل أذرع القوات المسلحة فى حصار وتصفية البؤر والمواقع التى تؤوى المجموعات الإرهابية، وفق خطة مدروسة بدقة من واقع المعلومات والخبرات المتراكمة فى مواجهة هذه الجماعات الإرهابية، أما المعنى الثالث - وقد لا يكون الأخير- فيشير إلى أن هذه العملية الشاملة تبعث برسائل مختلفة تتجاوز الجماعات الإرهابية، مضمون هذه الرسائل أن مصر وجيشها قادران على حماية الأمن الوطنى والمصالح الحيوية المصرية فى جميع الاتجاهات، وهى رسالة موجهة للدول الداعمة للإرهاب، والتى توفر الملاذات الآمنة لقادته وتؤمن لهم أبواقا يبثون من خلالها سمومهم.
اختيار توقيت هذه العملية الشاملة ينم عن تقدير استراتيجى شامل للبيئة والمخاطر، التى تواجهها مصر وكيفية التعامل معها، فثمة أولا اكتشاف ثروات الغاز فى أعماق شرق المتوسط والصراع بين لبنان وإسرائيل حول المناطق الاقتصادية اللبنانية ورغبة الأخيرة فى حرمان لبنان من استغلال ثروات المنطقة، ومن ناحية أخرى التصريحات الرسمية التركية بعدم الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، وهى الاتفاقية التى سمحت لمصر باستغلال الغاز فى حقل «ظهر» وبدء إنتاجه الفعلى، وتحرش تركيا بشركة (إينى) الإيطالية، لدى بدء استكشاف الغاز فى المنطقة القبرصية، على ضوء ذلك فإن العملية الشاملة تستهدف إرسال رسالة إلى من يهمه الأمر بأن مصر قادرة على الدفاع عن حقوقها ومصالحها البحرية والاقتصادية.
من ناحية ثانية فإن التوقيت الذى تقررت فيه هذه العملية يعقب انهيار معاقل «داعش» فى سوريا والعراق إثر المواجهات العراقية والسورية وغيرها لهذا التنظيم، وبطبيعة الحال فإن انهيار معاقل داعش قد لا يعنى بصورة أوتوماتيكية انتهاء الإرهاب تماما، بل قد يترتب على ذلك بقاء بعض فلول الإرهابيين، والتفكير فى إعادة تمركزها من جديد فى بلدان مختلفة من بينها ليبيا أو مصر «سيناء» تحديدا أو اليمن، ورسالة العملية الشاملة فى هذا السياق تعنى أن مصر لن تكون ملاذا آمنا للإرهابيين وسيناء تحديدا، ولن يكون فى مقدور فلول الإرهابيين الالتحاق بإرهابيى سيناء.
على صعيد آخر فإن توقيت عملية سيناء الشاملة ارتبط بتوافر الخبرات وتراكم المعلومات ورصد الدروس وتحليلات المواجهات المستمرة للإرهاب ورصد أماكن وجود البؤر الإرهابية فى المثلث المعروف فى سيناء؛ رفح الشيخ زويد وغيرها، وذلك على ضوء العمليات العسكرية والأمنية مثل عملية حق الشهيد 1، 2 وغيرها من العمليات والمواجهات التى سبقتها وهو الأمر الذى أتاح للقوات المسلحة والشرطة وأجهزتها تخطيط وتدبير هذه العملية الشاملة وتنفيذها على مسرح العمليات بطريقة منظمة ودقيقة.
وأخيرا وليس آخرا يلاحظ أن ثمة تلازما بين المسار العسكرى والأمنى للعمليات مع المسار الإنسانى الذى يتعلق بمواطنى وأهالى سيناء حيث قامت القوات المسلحة بتأمين احتياجات المواطنين بالتعاون مع المحليات والأجهزة التنفيذية من السلع والمواد الغذائية والتموينية وإتباع قواعد الانضباط واحترام المواطنين عند تفتيش المنازل لتنفيذ المهام التأمينية وملاحقة الإرهابيين، حيث شهد العديد من المواطنين رجالا وشيوخا وسيدات، برقى نمط المعاملة التى يتلقونها من قبل مسئولى تنفيذ هذه المهام التنفيذ من الضباط والجنود، وتشهد ذلك عملية إنقاذ الطفل الذى تعذر على أهله اللحاق بمستشفى سرطان الأطفال بسبب العمليات، وقيام القوات المسلحة بتأمين رحلة الطفل لتلقى العلاج فى هذا المستشفى.
هذه المسارات متلازمة ومجتمعة تهيئ للقوات المسلحة وأجهزة الشرطة أسس ومرتكزات الانتصار فى المعركة على الإرهاب، وحرمانه من أية بيئة حاضنة داخليا وخارجيا وقطع خطوط إمداده وتمويله ومحاصرته من كل الجوانب وإثبات أن مصر عصية على الإرهاب وأنه لن يستطيع تفكيك بلاد فجر الحضارة إلى ولايات أو إمارات أو خلافات مزعومة، وحرمانه من أى سيطرة فعلية على أى قطعة ولو صغيرة من سيناء للزعم بأنه نجح فى رفع راية الإرهاب «وداعش» حتى ولو بصفة رمزية، إن هذه العملية الشاملة تعتبر أكبر عملية عسكرية بعد حرب أكتوبر وسيكتب النصر بإذن الله لمصر وجيشها وشهداء الوطن والطريق إلى تنمية سيناء سيكون ممهدا.
نقلا عن الاهرام القاهريه