بقلم : مصطفى زين
تدعو الولايات المتحدة الفلسطينيين إلى التفاوض مع إسرائيل. تأخذ عليهم تصلبهم في رفض «صفقة القرن». صفقة لم تنشر بنودها، ولا يعرفها أو يناقشها أحد مع أصحاب القضية. لكن تطبيقها على الأرض قائم منذ تولي ترامب الرئاسة وتعيين صهره جاريد كوشنر رئيساً لمجلس إدارة العمليات، ومنذ تحكم الصهيونية المسيحية واللوبي الإسرائيلي بالبيت الأبيض، وتعيين منظرها مايكل بنس (يعقد حلقات أسبوعية لدراسة التوراة) نائباً للرئيس.
أخذت إدارة ترامب على عاتقها مهمة محو تاريخ الشعب الفلسطيني، وتحويله إلى مجرد قبيلة من القبائل البائدة. قبيلة متخلفة ليس أمامها سوى الرضوخ للغزاة المنتصرين. أما الكفاح السلمي والمسلح فليس سوى إرهاب بشهادة العالم كله بما فيه العرب.
بدأ ترامب محو التاريخ الفلسطيني باعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها. كانت هذه الخطوة تجربة لامتحان العرب. كان الامتحان سهلاً. تظاهرات متفرقة هنا وهناك. احتجاجات خجولة في بعض العواصم. هتافات لا تقدم ولا تؤخر. صمت مطبق على المستوى الرسمي. بيان من منظمة التحرير. مواقف دولية مستنكرة. لا شيء أكثر من ذلك، فليس من دولة عربية واحدة تجرأت على سحب سفيرها من واشنطن احتجاجاً، ولا من دولة استدعت سفيرها للتشاور. نجحت التجربة الأولى. المدينة التي تعني كل العرب بطوائفهم وأعراقهم تهودت بقرار من البيت الأبيض فإلى التجربة الثانية.
اللاجئون يعيقون إنهاء المسألة الفلسطينية. القرار 194 يكرس حقهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم. «أونروا» شاهد على هذا الحق. لكن ترامب لا يستطيع العودة إلى الأمم المتحدة للإلغائها وانتزاع قرار جديد مضاد فليس من دولة مستعدة للإقدام على مثل هذه الخطوة. لم يعد أمامه سوى الابتزاز المالي والسياسي فقرر وقف المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى هذه المنظمة كي تقفل المدارس ويشرد أطفال الفلسطينيين في الشوارع وتغلق المستشفيات التي تقدم العلاج إلى مرضاهم، ما هم طالما أن ذلك يعبد الطريق أمام «حراس الهيكل».
الخطوة الثانية نجحت. ردود الفعل لا تذكر: تصريحات لمسؤولين في «أونروا» تطلب سد العجز في موازنتها. بعض أصوات مستنكرة. الأمم المتحدة صامتة. العرب استعدوا سراً لدفع بعض الأموال. منظمة التحرير مغلوبة على أمرها. المجتمع الدولي مشغول بمحاربة الإرهاب.
يعتقد ترامب أنه أزال أكبر عائقين من أمام إسرائيل لإنهاء القضية الفلسطينية: مسألتي القدس واللاجئين. ولم يعد أمامه سوى الضغط على محمود عباس للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل برعايته ورعاية بعض أصدقائه. ولكن على ماذا يفاوض الفلسطينيون بعد إلغاء أهم حقوقهم؟ وإلى من يلجأون؟ الأردن ومصر تعاهدا على السلام مع إسرائيل. العراق مدمر تتنازعه القبائل والعشائر والطوائف والأعراق، فضلاً عن الحروب بالنيابة على النفوذ فيه بين أميركا وإيران. سورية مدمرة تتنازعها القوى الإقليمية والدولية. ليبيا غارقة في دماء أبنائها. المغرب بعيد عن المسألة من الأساس. والأهم من ذلك أن فلسطين ذاتها مقسمة بين غزة والضفة. بين «حماس» و «المنظمة».
ليس أفضل من هذا الواقع كي يعقد ترامب «صفقة القرن»، لم يبق أمامه سوى تطبيق خطة إسرائيلية قديمة: إقامة كونفيديرالية بين الضفة الغربية والأردن. وهذا سيكون جوهر المفاوضات في الخطوة الثالثة لتطبيق «صفقة القرن» فهل تنجح؟
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع