توقيت القاهرة المحلي 10:32:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الماضي يحاكم الحاضر

  مصر اليوم -

الماضي يحاكم الحاضر

بقلم - مصطفى زين

من يتأمل قليلاً في ما حصل ويحصل في العالم العربي، منذ «ربيعه» يلاحظ أن الماضي الذي صحا يحاصر الحاضر ويحاسبه. محاسبة تعتمد قوانين من خارج الاجتماع البشري، لا تقيم وزناً لأي مسيرة تاريخية، ولا تتأثر بالزمان والمكان. أزليتها لا تجادل، والقائمون عليها قضاة محاربون لهم «النصر أو القبر»، وغالباً ما يكون القبر لغيرهم. النقاش معهم بلغة الحاضر ومفاهيمه لا يستقيم فلهم لغتهم ومصطلحاتهم الخاصة يستلونها مما قبل التاريخ وما بعده بقليل. حقوق الإنسان لا وجود لها في قاموسهم فالإنسان عبد. الحريات العامة خاصة بأقلية ضئيلة تفرض سلطتها على الآخرين. الحريات الخاصة خاضعة لسلطات عليا تقرر المباح والممنوع. المرأة كائن موجود لخدمة السيد وإذلال العدو بسبيها. الديموقراطية دعوة شيطانية. المجتمع وجد لخدمة الدولة. الاقتصاد منظم منذ القديم، لا حاجة إلى تجديده. التعليم يكون بالابتعاد عن العلوم لأنها من عمل الشيطان. الطفل ممنوع من الفرح، يُعدّ لحمل السلاح. العقل مجرد أداة لتمجيد الماضي وزجه في الحاضر لتعطيل أي تقدم.

هذا بعض من صورة ما خبرناه خلال «الربيع العربي»، صورة تحولت إلى واقع في أفغانستان، ثم في العراق وليبيا وتونس وسورية، جسدتها «القاعدة» و «داعش» وفروعهما التي لا تحصى. لم يكن لهذه التنظيمات من عمل سوى تدمير ما تقع عليه أيديها من تراث، حتى وإن كان تمثالاً أو كتاباً أو مبنى لا يتطابق مع رؤيتها «المعمارية». جمدت هذه التنظيمات الزمن عند حقبة لا يعرف قادتها عنها سوى ما يخدم توجهاتهم. لم يطلعوا على الفلسفة الإسلامية ولا على علم الكلام ولا على النقاشات الكثيرة التي سادت العصر العباسي، وهو ذروة الانفتاح على العلم. ولم يقرأوا عن العصر الأموي والانفتاح على الثقافات المحلية في بلاد الشام ومصر وغيرهما من البلدان التي فتحت.

بعيداً من «الربيع»، هنك تجربتان حديثتان في الحكم خاضهما الإخوان المسلمون بعقلية ماضوية، لكن كلتاهما قادت إلى تقسيم المجتمع والدخول في حروب أهلية: الأولى تجربة «العدالة والتنمية» في تركيا وهي الأكثر رسوخاً. والثانية تجربة حزب «الحرية والعدالة» في مصر.

وللإخوان في الدولتين الأكثر تأثيراً في تاريخ المنطقة جذور قديمة، وهم الأكثر تنظيماً بين الأحزاب ويشتركون في مناهضة محاولات التحديث التي أرساها مصطفى كمال أتاتورك بعد سقوط السلطنة والخلافة، والحكم الملكي ثم عبد الناصر. في تركيا وصل «التنمية والعدالة» إلى الحكم بعد صراع طويل مع الجيش (حامي العلمانية) وخاض صراعات كثيرة مع سائر الأحزاب القومية واليسارية إلى أن تمكن من الإمساك بمفاصل الدولة وبدأ عهداً جديداً من «تربية» المجتمع، كما خاض صراعات داخلية أسفرت عن إبعاد قادة تاريخيين (عبدالله غل مثالاً) وبدأ عهداً جديداً مع أردوغان الذي غير قيادة الجيش والشرطة وكل المؤسسات الأمنية، ثم بدأ مسيرة جديدة من التدخل في شؤون الدول المجاورة، خصوصاً سورية ومصر، محاولاً فرض برنامج الإخوان في البلدين. لكنه اصطدم بمجتمعين مختلفين. فلم يكن أمامه سوى دعم العنف والحروب فيهما، غير عابئ بانتقالها إلى داخل بلاده، فالمهم خدمة الأيديولوجيا. وها هي تركيا على شفير حرب أهلية بين مكوناتها التي تشبه المكونات السورية إلى حد بعيد.

أما في مصر فتولى محمد مرسي الحكم وكان أكثر حماسة من أردوغان لأخونة الدولة والمجتمع فبدأ مثل «أخيه» التركي بعزل قضاة ومسؤولين وتعيين محازبيه بدلاً منهم، فاصطدم بالدولة العميقة وكانت التظاهرات التي عمت مصر ضده إلى أن تدخل الجيش وحسم الأمر وزج به في السجن.

الإخوان في تركيا وفي مصر لا يختلفون عمن يطلق عليهم لقب المتشددين ويجري استخدامهم لتقويض هذا البلد أو ذاك، إلا في أنهم أكثر تمرساً بالسياسة وأفضل تنظيماً، لكنهم يشبهونهم في أنهم يستخدمون الماضي وأدواته لإدانة الحاضر، والنتيجة أمام أعيننا: دمار شامل للمجتمعات وتفتيتها وإعادتها إلى طفولتها.

نقلا عن الحياه اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الماضي يحاكم الحاضر الماضي يحاكم الحاضر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon