بقلم : خالد سيد أحمد
إذا كان يوم 30 يونيو 2013، قد شهد أقوى ضربة سياسية توجه لجماعة الإخوان، عندما نزل الملايين إلى الشوارع للمطالبة بازاحتها عن السلطة بعد عام واحد على توليها حكم مصر، فإن يوم الثلاثاء الماضى، قد شهد ايضا أعنف ضربة اقتصادية تتعرض لها الجماعة منذ نشأتها قبل تسعين عاما.
ففى هذا اليوم، قررت لجنة التحفظ والحصر والإدارة والتصرف فى أموال الجماعات الإرهابية والارهابيين، التحفظ على أموال 1589 عنصرا من العناصر المنتمية والداعمة لتنظيم الإخوان، و118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية، و104 مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعا إلكترونيا، وقناة فضائية، كما قررت اللجنة إضافة جميع الأموال المتحفظ عليها إلى الخزانة العامة.
ومن بين ما ذكرته اللجنة فى مبرراتها لهذا القرار، أن «معلومات وتحريات دقيقة كانت قد وردت اليها من مصادرها المختلفة ــ تأكدت من صحتها ــ تفيد بقيام قيادات وكوادر تنظيم الإخوان الإرهابى، بإعادة صياغة خطة جديدة لتدبير موارده المالية واستغلال عوائدها فى دعم النشاط التنظيمى كإحدى ركائز دعم الحراك المسلح من خلال قيام التنظيم الإرهابى بإيجاد طرق وبدائل للحفاظ على ما تبقى من أمواله ومنشآته الاقتصادية، من ابرزها تهريب الاموال السائلة من العملات الأجنبية خارج البلاد للإضرار بالاقتصاد القومى، لتقويض خطط الدولة للتنمية، وتكليف عدد من عناصره لتهريب الاموال من خلال الشركات التابعة للتنظيم وعناصره بنظام المقاصة مع رجال الأعمال المنتمين للتنظيم وغير المرصودين أمنيا».
المحامى طارق محمود، الذى تقدم ببلاغات للجنة والقضاء للتحفظ على أموال قيادات وأعضاء الجماعة، قال فى تصريحات لموقع «العربية نت» إن «قيمة الأصول والأموال التى تمت مصادرتها وفق قرار اللجنة تقدر بنحو 250 مليار جنيه»، لكنه أشار إلى أن «قيمة الأصول والممتلكات التابعة والخاضعة لتصرف الجماعة فى مصر تبلغ أضعاف هذا الرقم».
أيا كان حجم الأموال التى تم التحفظ عليها، أو الأصول والممتلكات التى لا تزال بحوذة الجماعة، فإن القرار الأخير يحمل فى طياته الكثير من النقاط التى ينبغى التوقف أمامها لمعرفة مستقبل العلاقة بين الدولة المصرية والجماعة.
النقطة الأولى ان قرار التحفظ على أموال 1589 عنصرا من العناصر المنتمية والداعمة للإخوان، يؤشر إلى حقيقة باتت دامغة، وهى ان الدولة المصرية ماضية بكل حسم فى عملية تطويق شامل لجماعة الإخوان، ومحاصرتها سياسيا وأمنيا واقتصاديا أكثر من أى وقت مضى، مدفوعة فى ذلك بمناخ اقليمى ودولى مؤيد أو على الأقل غير ممانع لمثل هذه الخطوات والاجراءات، وكذلك بفائض هائل فى القوة المستمدة من استعادة مؤسسات الدولة عافيتها، والمستندة إلى دعم شعبى لا يستطيع أحد تجاهله.
النقطة الثانية ان هذا القرار يضع حدا للتكهنات والتقارير التى تتردد بين فترة وأخرى عن وجود امكانية للمصالحة بين الدولة والجماعة، اذا بات واضحا ان القرار السياسى للدولة المصرية، تم حسمه بشكل نهائى لصالح محاصرة الجماعة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وانه لا نية للسماح لها بالعودة مرة أخرى إلى المشهد السياسى فى المدى المنظور، وبالتحديد خلال ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى عبر عن هذا الأمر مرارا بالتأكيد على ان المصالحة أمر يخص الشعب.
كذلك يضع هذا القرار الجماعة فى مأزق حقيقى، خصوصا بعد تجفيف منابعها المالية وقطع أذرعها الاقتصادية، التى تعتبر الشريان الرئيسى لها وساعدتها على البقاء والانتشار طيلة العقود الماضية داخل مصر، وهو ما يجعل عودتها إلى الحياة السياسية مرة أخرى أشبه بالمستحيل.
على اية حالة، فان المواجهة ستظل مفتوحة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان.. فالأولى لديها اصرار كبير على تطويق الجماعة وعدم السماح لها بالعودة مرة أخرى إلى الأوضاع التى كانت عليها فى السابق، والثانية ترفض الاعتراف بالتغيرات الواسعة التى حدثت فى البلاد منذ 30 يونيو 2013، وتصر على ان تعود بعقارب الزمن إلى الوراء والعودة إلى المشهد، وفق شروط يعرف الجميع مسبقا انها لن تتحقق أبدا.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع