توقيت القاهرة المحلي 10:28:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تمزيق نسيج الوطن!

  مصر اليوم -

تمزيق نسيج الوطن

بقلم : خالد سيد أحمد

محاولة توصيف الاشتباكات التى وقعت أخيرا، بين المسلمين والمسيحيين فى قرية دمشاو هاشم بالمنيا، احتجاجا على بناء كنيسة من دون ترخيص وإقامة الصلاة فيها، بأنها مجرد حادث عابر أو سحابة صيف سرعان ما ستزول، لن يحل المشكلة التى ازدادت حدة خلال السنوات الأخيرة، لاسيما وانه يوجد بيننا عقليات متطرفة، تستكثر على المسيحيين إقامة شعائرهم الدينية، وتتساءل بلا خجل: «عايزين يصلوا ليه»؟.

ومنذ ثورة يناير 2011، تضاعفت التحديات التى واجهت المواطنين المسيحيين، عندما أطلت الجماعات الاسلامية المتشددة برأسها على سطح المشهد السياسى فى البلاد، وأضحت قاب قوسين أو أدنى من التحكم فى مفاصل السلطة، التى كانت فى السابق حكرا على نظام فى حالة عداء دائم مع كل من ينتمى لهذا التيار، وهو ما مثل ضمانة لهم بأن الدولة تحميهم من غلو وتطرف وعدم تسامح تلك الجماعات مع الآخر المخالف لها فى العقيدة.

الارتكان إلى حماية الدولة قبل الثورة، جعل الغالبية العظمى من المسيحيين، ينغلقون على أنفسهم فى المجتمع، ويختفون خلف ستائر العزلة الاختيارية، وباتت مشاركتهم السياسية شبه منعدمة، ومساهماتهم فى قضايا المجتمع غير مرئية، وأصبح العنوان الوحيد لهم هو «البابا» الجالس على مقعد البطريركية.. هو الذى يمنح ويمنع.. يقبل ويرفض.. يعاقب ويعفو.. بات رئيسا غير متوج فى عالم الأقباط.

لكن كما طرقت رياح الثورة، أبواب الجماعات الإسلامية المتشددة، ودفعتها للخروج من تحت الأرض، هبت تلك الرياح أيضا على أبواب الكنيسة، ودفعت المسيحيين ــ شأنهم شأن الغالبية العظمى من المصريين ــ إلى تعاطى السياسة التى كانوا فى حالة خصام ارادى معها، وبدأوا يتفاعلون مع قضايا المجتمع شيئا فشيئا، لكنهم اكتشفوا واقعا جديدا، كان من أبرز سماته ان قبضة الدولة التى راهنوا عليها طويلا لحمايتهم من تشدد تلك الجماعات، أضحت رخوة للغاية وبالتالى أصبح عليهم التعامل وفق آليات السوق السياسية الجديدة، فلجأوا إلى تكوين أحزاب سياسية، والتحالف مع قوى تتبنى «مدنية الدولة» منهجا، حتى يمكن لهم المشاركة فى عملية صنع القرار فى «مصر الجديدة».

لم يساهم هذا التوجه فى حصول المسيحيين على نصيب مؤثر فى الخريطة السياسية الجديدة التى سيطر عليها التيار الإسلامى، ما ضاعف من حجم المشكلات التى يواجهونها، حتى هبت رياح يونيو 2013، فانضموا إلى الغالبية العظمى من الشعب ومؤسسات الدولة، الذين توحدوا جميعا لانهاء سيطرة هذا التيار على السلطة.
دفع المسيحيون ضريبة كبيرة فى ذلك الوقت، وبالتحديد فى شهر أغسطس 2013، حيث تم مهاجمة وحرق وتدمير أكثر من 100 كنيسة، الأمر الذى كان كفيلا بإشعال نيران الحرب الطائفية، الا ان عقلانية وحكمة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، منعت فتح أبواب الحجيم على مصر، وكان يردد جملته المعروفة: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».

لذلك كما سبق وذكرنا، فان النظر إلى ما حدث فى «دمشاو هاشم»، على انه حادث عابر، مخطئ تماما، بل يحب التعامل معه على انه حلقة جديدة من محاولات إشعال نار الفتنة الطائفية فى البلاد، ومعاقبة المسيحيين على دعمهم لمؤسسات الدولة وجموع الشعب ضد الجماعات المتطرفة التى حاولت السيطرة على البلاد.

يجب على الدولة أن تقوم بدورها الآن، لمحاصرة مشعلى الحرائق والفتن الطائفية والحروب بين الأديان، وأن تتدخل بقوة وجدية لمنع المتطرفين من تمزيق نسيج الوطن، وذلك من خلال العمل على الكثير من الجبهات فى وقت واحد، أهمها بلا شك تفعيل القوانين التى تعاقب على ازدراء الأديان أو نشر الكراهية أو إثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن، وتطبيق هذه العقوبات فورا على من يقومون بمثل هذه الأمور، وألا تترك مصير ما يتفجر من قضايا مماثلة فى المستقبل، بيد ما يسمى بـ«المجالس العرفية» التى لا تعيد حقا أو تضع ضوابط تمنع تكرار إشعال مثل هذه الحرائق مجددا.

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمزيق نسيج الوطن تمزيق نسيج الوطن



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها
  مصر اليوم - منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon