بقلم - خالد سيد أحمد
الغضب العارم الذى تملك مؤسسات الدولة والشخصيات الإعلامية، تجاه الفيلم الوثائقى الذى عرضته هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»، بشأن مزاعم الاختفاء القسرى فى مصر، له بالتأكيد ما يبرره، خصوصا وأنه عمد عن قصد أو غير قصد إلى تشويه صورة البلاد فى الخارج.
ففى هذا الفيلم الوثائقى، ادعت سيدة مصرية ان ابنتها الشابة وتدعى «زبيدة» اختفت منذ 10 أشهر، بعد احتجازها من قبل الشرطة، وانها تعرضت لانتهاكات جسدية بالغة، لكن «زبيدة» نفسها جاءت بالخبر اليقين، ونفت فى تصريحات خاصة للإعلامى عمرو أديب، ما قيل عن اختفائها قسريا، وقالت إنها متزوجة وانجبت مولودا منذ 15 يوما.
حكاية «زبيدة» تشبه كثيرا حكاية عمر نجل إبراهيم الديب، القيادى الإخوانى الموجود فى تركيا، والذى ظلت وسائل الإعلام الإخوانية التى تبث من الخارج فى الإدعاء بأنه كان مختفيا قسريا، بعد إعلان وزارة الداخلية عن تمكنها من رصد وتحديد والقضاء على 10 عناصر ــ بينهم عمر ــ تابعين لخلية إرهابية وجدت داخل شقتين فى منطقة أرض اللواء بالجيزة، ثم ثبت بعد ذلك وبالدليل القاطع أن عمر انضم إلى تنظيم داعش الإرهابى، وظهر فى الإصدار المصور الأخير لمجلة «حماة الشريعة» التابعة للتنظيم.
سقطة الـ«بى بى سى» صاحبة التاريخ العريق والمهنية العالية والقواعد الإعلامية الرفيعة، عندما عرضت هذا الفيلم متضمنا تلك الادعاءات من دون التحقق منها، وتبنيها وجهة نظر واحدة، وتجاهلها الحديث مع الجهات الرسمية المصرية لسماع رأيها فى القضية، دفع الهيئة العامة للاستعلامات إلى مطالبتها بتقديم اعتذار عما ارتكبته من خطأ مهنى لا يمكن أن ترتكبه مؤسسة فى حجم هيئة الإذاعة البريطانية، كما دعت هيئة الاستعلامات المسئولين المصريين وقطاعات النخبة المصرية إلى مقاطعتها والامتناع عن إجراء مقابلات أو لقاءات مع مراسليها ومحرريها، حتى تعتذر رسميا وتنشر ردها على ما ورد فى تقريرها غير الصحيح.
الغضب لم يقتصر على الهيئة العامة للاستعلامات، بل وصل إلى المستشار نبيل صادق، النائب العام، الذى أصدر قرارًا بمتابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى وضبط ما يبث عنها ويصدر عنها عمدًا من أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب فى نفوس أفراد المجتمع أو يترتب عليها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية، واتخاذ ما يلزم حيالها من إجراءات جنائية.
هيئة الإذاعة البريطانية، اتجهت فى البداية إلى المماطلة بعد ثبوت عدم صحة ما عرضته، ثم تجاهلت هذا الغضب المصرى وكأنه غير موجود، وأخيرا رفضت تقديم اعتذار عما جاء فى تقريرها غير الصحيح، بل وأصدرت بيانا أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه «بيان تحدٍ»، شددت فيه على أنها «تساند مصداقية العمل الصحفى لفرقها».
واضافت انها «ستناقش الشكوى بشأن الفيلم الوثائقى مع السلطات المصرية فى الأيام المقبلة».
المؤسف فى هذه القضية، هو ان البعض فى مصر، وفى ظل حالة الاستقطاب السياسى الحاد، الذى يتسم به المشهد منذ سنوات، لا يجد حرجا فى التشكيك بنفى «زبيدة» نفسها لمسألة اختفائها قسريا، بل ويرى ان حديثها التليفزيونى تم تحت إكراه وضغوط، وانه يجب علينا تصديق رواية الـ «بى بى سى»، بينما واذا استخدمنا هذا المبدأ فى التعامل، فإنه يمكننا ايضا نطالب هيئة الإذاعة البريطانية، بأن تثبت صحة ما عرضته من ادعاءات ومزاعم وردت على لسان والدة زبيدة!.
على اية حال، نعلم ان هناك غضبا كبيرا فى مصر تجاه الـ«بى بى سى»، لكننا نحتاج إلى «ترشيد» هذا الغضب، حتى لا يتحول إلى عاصفة هوجاء تضر أكثر مما تنفع، خصوصا فى مسألة المقاطعة الإعلامية.. فهذه المقاطعة لن تخدم موقفنا، وستخلى الساحة لمن يريد الإضرار بصورتنا فى الخارج، ويجعل من هذه المؤسسة العريقة القوية إعلاميا عدوا للدولة المصرية مثل قناة الجزيرة القطرية، والأفضل هو إقامة حوار جاد معها للوصول إلى آلية فى التعامل بعيدا عن فرض الشروط المسبقة، حتى لا يغيب صوت مصر الرسمى عن نافذة لها تأثيرها على المستوى الدولى.
نقلا عن الشروق القاهريه