بقلم - خالد سيد أحمد
كثير من المواطنين الذين تابعوا زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى هيلا ميريام ديسالين، إلى القاهرة على مدى يومين، شعروا بقدر كبير من الأسى والحزن، ذلك أن الرجل الذى طلب منه ارسال رسالة طمأنة لمصر تزيل مخاوفها وقلقها العظيم على مياهها، لم يقدم سوى كلام منمق للاستهلاك الإعلامى فقط، وهذا الأمر لم يكن مفاجئا للبعض.. فديسالين ليس النجاشى الذى لجأ إليه المسلمون الأوائل طلبا للحماية ولم يخذلهم!
رئيس الوزراء الإثيوبى خلال مؤتمره الصحفى مع الرئيس السيسى، قال إن «شعب إثيوبيا لم ولن ــ فى أى حال من الأحوال ــ يسعى إلى تعريض حياة أشقائنا المصريين إلى الخطر، فنهر النيل يتدفق فيما بيننا، ولن نضر بلدكم بأى حال من الأحوال، وسنعمل عن كثب ونكفل الحياة لشعوب نهر النيل والقرن الإفريقى وإخراجهم من دوائر الفقر».
كلام جميل ورائع، لكن اذا حاولنا وضعه على أرض الواقع، حتى يكون له جدوى ومردود ايجابى يزيل القلق لدى المصريين من المخاطر الحقيقية التى ستنتج عن إنشاء سد النهضة، فلن نجد سوى محاولات إثيوبية متواصلة لاستهلاك الوقت، حتى تنتهى من إنجاز بناء السد.
ما يقلقنا حقا هو أن سعة خزان هذا السد العملاق تصل إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، والذى يؤكد الخبراء على أن ملء هذا الخزان فى عدد سنوات قليل سيؤدى إلى فقدان مصر لربع مساحتها الزراعية، كما انه سيؤدى فى حالة «الملء والتشغيل» إلى زيادة الانخفاض فى توليد الكهرباء من السد العالى ليصل إلى 4500 جيجاوات، أى بنقص قدره 37%، مع حدوث عجز كلى فى توليد الطاقة الكهربائية ليصل إلى 41 عاما!.
هذه المخاطر الحقيقية الماثلة أمام أعين المسئولين المصريين، تترافق مع استمرار الجمود الحالى الذى يشهده المسار الفنى للمفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، الأمر الذى دفع القاهرة إلى اقتراح مشاركة البنك الدولى كطرف فنى فى اللجنة الوطنية الثلاثية لتسهيل المناقشات والتوصل إلى حل للنقاط الخلافية واتخاذ قرار بشأنها، وذلك بما للبنك الدولى من خبرات ومصداقية لدى الدول الثلاث.
هذا الاقتراح يعد من أفضل الخطوات العملية التى اتخذتها مصر على الإطلاق منذ تفجر هذه الأزمة، لان دخول البنك الدولى على خط المفاوضات، سيكشف عن الطرف الذى يعوق الوصول إلى نتائج حقيقية للدراسات الفنية، وسيكون داعما لموقف القاهرة على المستوى الدولى.
كما ان هذا الاقتراح ــ وفق الرؤية المصرية ــ يأتى «سعيا لتجاوز العقبات التى تواجه المسار الفنى، لا سيما فى ضوء ما يعترى مسار المفاوضات من تأخير، ولتفادى اتخاذ إجراءات أحادية على الأرض بشأن ملء خزان السد قبل الانتهاء من الدراسات الفنية»، وفقا لتصريحات السفير بسام راضى المتحدث الرسمى باِسم رئاسة الجمهورية.
ديسالين وكعادته دائما فى استهلاك الوقت لصالح المضى قدما فى إنشاء السد بالمواصفات التى ستحدث ضررا بالغا بالحقوق المصرية، تهرب من الموافقة على هذا الاقتراح، وقال فى مؤتمره الصحفى: «أقدر المقترح المصرى بشأن إشراك طرف ثالث كوسيط فى المفاوضات الفنية، لكن بلادى مهتمة بدراسة تحديد الطرف الثالث وآلية وتوقيت تدخله بالمفاوضات!!».
واضح جدا ان ديسالين لن يكون «النجاشى الجديد»، الذى يستطيع منح مصر الاطمئنان على حقوقها المائية، خصوصا أن بلاده تدرس كذلك الإعلان عن بناء 3 سدود جديدة منها 2 على النيل الأزرق، بالإضافة إلى سد النهضة الذى يتم تشييده حاليا، وبالتالى فإن المسألة ليست متعلقة هنا بالتنمية أو التقدم فى إثيوبيا ــ وهو حق لها لا جدال فيه، وإنما المسألة تتعلق بمخطط يتم تنفيذه لـ«تعطيش مصر»، كما يراه الكثير من المتابعين والمراقبين.
ينبغى أن تدرك الحكومة الإثيوبية ان نهر النيل هو الشريان الوحيد لنا، وبدونه لن تكون هناك حياة على الأرض، وأن إقدامها على ملء خزان سد النهضة بدون الاتفاق على الإطار الزمنى المناسب، سوف يسفر عن وجود «ملايين العطشى» فى بر مصر، وهو ما لا يمكن للشعب المصرى قبل نظامه القبول به على أنه «أمر واقع»!.
نقلا عن الشروق القاهريه