بقلم : خالد سيد أحمد
لم تحظ الجولة الحالية التى يقوم بها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف إلى ثلاث دول آسيوية هى إندونيسيا وسنغافورة وسلطنة بروناى، باهتمام إعلامى كبير فى مصر، رغم ان المتابع لها يدرك على الفور حجم التأثير والتقدير الذى يكنه المسلمون فى آسيا لـ«الأزهر وإمامه»، ما يجعلهما من أبرز أدوات القوة الناعمة التى تستطيع مصر الاعتماد عليها للتأثير فى محيطها الإقليمى والدولى.
ثلاثة مشاهد حدثت خلال زيارة الطيب إلى إندونيسيا، توضح الوزن الحقيقى للأزهر الشريف، الذى يعد المؤسسة الدينية السنية الأكبر والأوسع تأثيرا فى العالم الإسلامى، أولها الاستقبال الحافل الذى أقامه جوكو ويدودو، رئيس إندونيسيا فى القصر الرئاسى بالعاصمة جاكرتا، لشيخ الأزهر، وتأكيده على أن «الشعب الإندونيسى يشعر بالثقة والاطمئنان عندما يرسل أبناءه للدراسة فى الأزهر.. فالأزهر يمثل لنا الكثير فى إندونيسيا، وخريجوه يسهمون بقوة فى نهضة البلاد ويشغلون مواقع عدة»، مشيرا إلى ان «الأزهر الشريف، بمنهجه الوسطى المنفتح، يقوم بدور بالغ الأهمية فى التصدى للجماعات الإرهابية وتفنيد أفكارها المتطرفة».
المشهد الثانى الذى لفت أنظار الجميع، وتداولته وسائل التواصل الاجتماعى على نحو كبير خلال الأيام الأخيرة، هو قيام طالبات إندونيسيا بترديد النشيد الوطنى لجمهورية مصر العربية كاملا ترحيبا بالإمام الأكبر، وكذلك احتشاد طلاب وطالبات الجامعة «المحمدية سوراكرتا» فى مدينة سولو الإندونيسية، حاملين الأعلام المصرية للترحيب بزيارة الطيب لجامعتهم. أما المشهد الثالث فهو التصريحات التى أدلى بها محافظ ولاية نوساتنجار الغربية فى إندونيسيا، وشدد فيها على ان زيارة الإمام الأكبر تجلب البركة، وتدفع خريجى الأزهر لتقوية مساهمتهم فى بناء إندونيسيا.
عندما نجد فى إندونيسيا، هذا الاحتفاء والتقدير والاحترام، لشخص الشيخ الطيب والمؤسسة التى يتربع على عرشها، لا يمكننا غير ان نضرب كفا بكف، خصوصا ونحن نشاهد بين الحين والآخر، تلك الحملات الإعلامية المجنونة، التى تستهدف مؤسسة الأزهر الشريف والدكتور الطيب، وتتجاوز فى أغلب الوقت «الخطوط الحمراء»، عبر السعى لـ«شيطنة الأزهر» واتهامه بأنه «مفرخة الإرهابيين»، والمحاولات المستمرة لاغتيال شخصية «الإمام الأكبر» بزعم أنه لم يقم بواجبه تجاه مواجهة المتطرفين وتجديد الخطاب الدينى.
كيف يمكن اتهام الطيب بأنه لم يواجه التطرف والمتطرفين، وهو الذى قال خلال زيارته لإندونيسيا ان «الذى يتشدد ويغالى ويحرم الحلال فى الدين ليس أقل جرما، ولا أنجى مآلا من الذى يحل ما حرم الله، كلاهما معتد على حرمة الإسلام، وكلاهما خارج على حدوده وتعاليمه، وكلاهما كاذب يزعم لنفسه حق التشريع فى الدين بما لم يأذن به الله»؟
كيف يمكن القول إن الأزهر «مفرخة الإرهابيين»، وشيخه يؤكد أن «منهج التعليم الأزهرى منهج يمثل وسطية الإسلام الذى يرسخ فى ذهن الطالب منذ نعومة أظفاره ثقافة الحوار وشرعية الاختلاف، مما يحول بينه وبين نزعة الغلو والتعصب وانغلاق الفكر وجموده على رأى واحد، ويدربه على احترام الرأى الآخر، ويعلمه الفرق بين احترام المذهب وبين اعتقاده، وهذا ما يؤكده الواقع المعاصر، إذ لا يقع بصرك على إرهابى أو تكفيرى تخرج فى الأزهر وتغذى بعلومه وارتوى من ثقافته»؟
لاشك ان الحملات التى تستهدف تشويه الأزهر، لن تفيد غير جماعات الإرهاب والتطرف والتشدد، التى ستستغل فرصة تعرض أكبر مؤسسة سنية فى العالم الإسلامى للانتقادات والهجمات الإعلامية، للتوسع والانتشار واكتساب أرضية أكثر على حسابها بين أوساط الشباب الحائر الذى يبحث عن يقين، وسيفقد مصر أبرز أدوات «القوة الناعمة» التى تملكها.
أخيرا اذا كان هناك من قصور فى التفكير أو العمل الدعوى الفاعل أو الاجتهاد والفتاوى المناسبة لتطورات العصر من جانب الأزهر وشيوخه، فإن معالجة ذلك الوضع لا تكون بهدم أو كسر «ظهر المؤسسة»، لأنه إن حدث ذلك، فلن يكون فى الساحة غير المتطرفين الذين يكفرون ويقتلون كل من يعتقدون انه مخالف لهم فى الرأى.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع