بقلم :خالد سيد أحمد
يتزايد يوما بعد يوم، الحديث عن ضرورة اصلاح وتطوير منظومة الإعلام المصرى، لمواجهة تأثير ونفوذ الآلة الإعلامية الإخوانية التى تبث من الخارج، بعدما حققت انتشارا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، وامتلكت فى أحيان كثيرة، زمام المبادرة فى توجيه دفة الأحداث الكبيرة التى مرت بها البلاد، وفق أجندتها الخاصة.
هذا الحديث الذى يملأ جنبات المشهد، يتقاطع مع اعتراف رئاسى بوجود مشكلة حقيقية فى اداء منظومة الإعلام المصرى، عبر عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى بوضوح فى جلسة «اسأل الرئيس» خلال مؤتمر الشباب الأخير، عندما قال: «الأمور توقفت لسنوات طويلة فى قطاعات كثيرة على أوضاع ثابتة ولم تتطور، ومنها الإعلام، فأصبح غير متطور وتأثيره لا يحقق الأهداف المرجوة منه».
اصلاح منظومة الإعلام أمر مهم للغاية لا يحتمل التأخير أو التسويف أو المماطلة.. فالدول التى لا تمتلك إعلاما قويا مؤثرا يدافع عن توجهاتها وقراراتها، ويروج لأفكارها ومشاريعها وطموحاتها، ويحافظ على ثوابت سياستها الخارجية، ويرسخ عناصر القوى الناعمة التى تمتلكها، أشبه بالمحارب الذى لا يحمل سيفا أو يرتدى درعا، عند أول نزال يسقط صريعا بأضعف ضربة من الخصم!
السؤال الآن.. كيف يمكن اصلاح الإعلام حتى يحقق تأثيره المطلوب؟. وكيف يمكن ان نغير وجهة نظر البعض، بأنه «لولا خشية رجال الأعمال وأصحاب المصانع الكبيرة من غضبة الحكومة، لذهبوا إلى الفضائيات الإخوانية التى تبث من الخارج، للإعلان عن منتجاتهم وبضاعتهم، ليس اقتناعا بما تقدمه وتعرضه، ولكن لأن رسالتهم الإعلانية ستصل إلى قاعدة كبيرة من المشاهدين؟».
لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة حتى نصل إلى الطريقة المثلى التى تمكننا من اصلاح الإعلام واستعادة تأثيره القوى، ولكن علينا البدء مما انتهى اليه الآخرون.. فما نحتاجه موجود أمامنا ومتاح فى تجارب كثيرة شرقا وغربا، وقواعدها واضحة للغاية، ونستطيع الاستفادة منها، اذا كانت لدينا الرغبة الحقيقية فى تحقيق تقدم ملحوظ فى هذا المجال.
الإعلام المؤثر الذى نتطلع اليه جميعا، يحتاج بالتأكيد إلى وجوه جديدة لها مصداقيتها، بحيث تكون قادرة على ايصال الرسالة الصحيحة، وبما يدفع المواطن المصرى إلى مشاهدتها ومتابعتها.. وجوه تتخلى عن أمراض الوجوه القديمة المعروف عنها التأييد والتهليل لكل قرارات السلطة التنفيذية، وتحرص دائما على ابعاد نفسها عن أى نقد بناء يمكن ان يفيد البلاد والعباد، كما أن تلك الوجوه، لم تضبط فى يوم ما، متلبسة بالدفاع عن قضايا المواطنين والتصدى لما يواجهونه من مشكلات وهموم.
نحتاج إلى وجوه تقدم محتوى مختلفا، غير السائد حاليا من إعلام الفضائح والنهش فى الأعراض والدجل والشعوذة وتغييب العقول.. محتوى حقيقى يلقى الضوء على جهود الدولة فى البناء والتعمير ومعالجة الاختلالات فى مفاصل الاقتصاد الوطنى، ويدعم فى الوقت نفسه حربها الضروس ضد جماعات الإرهاب، عبر تفكيك خطابها الدينى المزيف، الذى يستهدف استقطاب الكثير من العناصر الجديدة كل يوم.
من الضرورى ان يترافق اعطاء المساحة للوجوه الجديدة، مع التوجه الحقيقى نحو «تحرير الكلمة والصورة» من أى قيود أو ضوابط أو توجيهات، وأن يتم السماح للإعلام بالنفاذ إلى كل القضايا التى تهم المجتمع، طالما لا تمس بضرورات الأمن القومى، أو بثوابت الوحدة الوطنية، أو تتناول ما يمثل تعديا أو ازدراء للأديان السماوية.
اذا اردنا تطويرا واصلاحا للإعلام، فيجب ان نسمح بالتعدد والتنوع فى الأفكار والرؤى، وقمع الرغبة الجارفة فى ان يتحدث الجميع بلغة وخطاب ومفردات متشابهة، حتى لا يتحولوا فى نظر المشاهدين إلى ببغاوات تردد ما يملى عليها.. فالإعلام الحقيقى المؤثر ينبغى أن يكون مثل «قوس قزح» يضم أطيافا متنوعة من الألوان، ولا يقتصر فقط على لون واحد، تخلو منه المتعة والإثارة والإفادة.