الرئيس ومتحدو الإعاقة
خطوة محترمة وحضارية تمثلت فى افتتاح الرئيس فعاليات الملتقى العربى الأول لمدارس ذوى الاحتياجات الخاصة والدمج، أعجبتنى كلمة الرئيس فى «الملتقى» والوعود التى أطلقها لصالح «متحدى الإعاقة» خلال المرحلة المقبلة. ولكن يلح علىَّ التساؤل المهم لكى تبقى آمال الرئيس ووعوده فى محلها وقابلة للتنفيذ: ماذا بعد؟، مَن المؤهل لتنفيذ هذه القرارات؟، هل هى وزارة التربية والتعليم ووزيرها الغارق فى خطته لتطوير التعليم، والذى أغرق كل المدارس العادية فيها، أم تلك الإدارة «الشكلية» فى الوزارة، والمسماة «إدارة الدمج وذوى الاحتياجات»؟!.
لقد أعجبتنى كلمات قرأتها لإحدى الزميلات على «الفيسبوك»، فى معرض حديثها، إن ما قام به الرئيس يأتى فى إطار الإجراءات العادية وليس اختراعاً أو اكتشافاً حديثاً.
وأنا أقول: قد يكون كلام الزميلة صحيحاً، لكننا تخلّفنا كثيراً للوراء، وخطوة الرئيس تصحيحية ومهمة. ولكن يبقى أن تدخل كل القرارات والوعود التى بشر بها حيز التنفيذ.
إن مدارس ذوى الاحتياجات الفكرية حالها متردٍّ جداً. أدعو الرئيس ومساعديه لفتح ملفها فوراً. وأتحدى إن كان الوزير قد زار أى مدرسة للتربية الفكرية، ولا حتى المدرسة التى تقع فى السيدة زينب، أى لا تبتعد أكثر من كيلومتر عن مكتبه. لدينا سيادة الرئيس قرار وزارى للدمج فى المدارس العادية. وهو قرار حضارى جداً، وقد خضع للمراجعة والتطوير أكثر من مرة، وهو مماثل للمعمول به فى مدارس العالم المتحضر من دمج التلاميذ ذوى مستويات الذكاء المحدودة مع الطلاب العاديين وذلك بضوابط معينة، ولكن أتحدى إن كان هذا القرار ينفذ بشكل سليم. بل أنا عانيت معاناة أولياء الأمور فى هذا الشأن.
لقد تخلفنا كثيراً سيدى الرئيس فى هذا الشأن. وخطواتكم الكريمة تحتاج إلى مَن ينفذها على أرض الواقع، لقد كان لمصر قبل ثمانية عقود تقريباً وزير تعليم من ذوى الاحتياجات، وهو الدكتور طه حسين، «وزير المعارف»، وهو أفضل كثيراً من كل الوزراء التاليين الذين أعقبوه فى هذا المنصب!.
«ضريبة الإعلام»
كلما قرأت خبر إغلاق صحيفة أو مجلة أو تعثر دار نشر زاد اكتئابى، ثم أعيد السؤال لنفسى وعلى زملائى من الصحفيين المكتئبين أمثالى، وغالباً يكون ذلك على المقاهى التى باتت تجمعنا: لماذا معظم دور النشر المتعثرة عربية، ولبنانية فى الأساس؟، ولماذا تلجأ الدور الكبرى فى العالم إلى هيكلة نفسها ذاتياً، بالتوجه إلى منتجات وأشكال إعلامية جديدة، مع هيكلة أوضاعها الحالية؟. لماذا تزدهر الصحافة الورقية فى الهند، ولماذا زاد توزيع عدد من الصحف فى الولايات المتحدة وأوروبا بعد تعثر جزئى لسنوات؟!. الحلول والوسائل عديدة ومتنوعة، وقد استفاض كثير من الزملاء فى استعراض تجارب نجاحها، ولكنى أتوجه بسؤالى إلى المسؤولين عن «الصحافة» فى مصر: لماذا تراقبون المشهد بدون تقديم حلول عملية، لماذا لا تساعدون الصحافة القومية والمستقلة فى محنتها، هل تريدون إغلاق هذه الصحف، وماذا عن العمالة فيها، وماذا عن الدور القومى الذى تقوم به؟. إن الصحافة اللبنانية تتعثر حالياً لأن بعضها نَبتٌ غير وطنى فى الأساس، كانت معبرة عن صراعات وتوازنات عربية وإقليمية عديدة. حتى دار «الصياد»، التى تم الإعلان عن توقف إصداراتها الأسبوع الماضى، كانت تمول، وبسخاء، من جانب عبدالناصر، ومن بعده توالت أنظمة عربية أخرى، كانت تدفع لها ولغيرها. على حد علمى، صحافتنا لا يمولها أحد. لا علاقات خارجية لها. ولذلك وجبت المسارعة لإنقاذها بطريقة عملية. لقد راجعت عدداً من الأنظمة الدولية فى دعم إعلامها.
سمعت من وزير الإعلام الدنماركى- قبل عشر سنوات تقريباً- كيف يحصلون من دافع الضرائب على مخصصات محددة، مقابل خدمة الراديو والتليفزيون، جزء من هذه الضريبة يُدفع للصحف العامة. وبدون أى مزايدات رسمية من أن الدولة تدعم الصحف العامة. راجعت بنفسى النظام فوجدته مكرراً فى كل الدول الإسكندنافية وبريطانيا. هناك فروق واختلافات طفيفة، لكنها تؤدى لنفس النتيجة.
أعتقد أن لدينا قانوناً قديماً منذ الستينيات يتعلق بدفع رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية، لا أدرى هل مازال سارياً أم لا، وكيف يتم دفع هذه الرسوم، وما قيمتها؟!.. أعتقد أن الحل يكمن فى هذه الرسوم بعد تعديلها من جانب البرلمان. لماذا لا يكون التعديل شاملاً: دفع ضريبة مقابل الحصول على خدمات إعلامية، سواء عن طريق الشاشات أو الراديو أو المواقع، مع ترك جزء لمساعدة المؤسسات الصحفية؟!.
لقد اطّلعت على مقترحات زميلى وصديقى، سامى جعفر، بشأن فرض رسوم على كل مشترك فى شبكات «الإنترنت» بقيمة جنيه واحد، يُخصص للمؤسسات الصحفية والإعلامية.
المقترح تفاعل معه بذكاء نقيب الصحفيين، رئيس مجلس إدارة الأهرام، عبدالمحسن سلامة، وعدد من المؤسسات الصحفية.
ينبغى أن تدرسه «المصرى اليوم» جيداً.. أدعو المدير العام، الصديق فتحى أبوحطب، هو إدارى وفاهم اقتصاديات الصحف ومُطّلع على تجارب عالمية فى هذا الشأن، لقراءة الاقتراح جيداً. ينبغى أن نضغط على المشرع وصانع القرار بالحلول والبدائل لتمويل صحافتنا. إن مهنتنا مقدسة ومحترمة، وينبغى أن تراعى التغييرات التقنية الحادثة فى العالم، لكن ينبغى ألا يتلقى الملايين جميع خدماتنا بالمجان. ينبغى أيضاً ألا نجلس مكتوفى الأيدى وننتظر خطة إنقاذ رسمية. هذه الخطة لن تأتى أبداً بدون تحركنا.. صدقونى.
إسرائيل بالعربى
.. وزاد اكتئابى وأنا أقرأ هذه المعلومة على صفحة المهندس أسامة الشيخ.. وللأمانة، فقد أرسلها لى أيضاً، وهى المتعلقة بخطط إسرائيل لإنشاء 25 قناة إخبارية وثقافية وفنية بالعربية. المؤسف أن هذه المعلومة اكتشفت أنها متاحة، كما قال «الشيخ»، لكنها غابت بشكل شبه متعمد عن كل الصحف والمواقع.
فى حواره الذى شرح فيه مخاوفه لجريدة «الشروق»، تحدث «الشيخ» عن خروج مسلسلات وأفلام مصرية بشكل غير شرعى، معرباً عن مخاوفه من أن تكون هذه «الأعمال» فى طريقها إلى إسرائيل. وتحدث أيضاً عن عروض مريبة وغريبة تأتى لشركات إنتاج درامى للشراكة فى أعمال بعينها.
الخطر قريب جداً. وأعتقد أن إسرائيل لن تتراجع عن هذه الخطط. لديهم خبرة طويلة فى التواصل الإعلامى مع «العالم العربى». يستطيعون جذب انتباهه بمادة مسلية وخفيفة، وأخبار منوعة تتجاوز فى رشاقتها وتنوعها واختراقها للعمق المصرى والعربى تلك التى تقدمها القنوات المصرية. راجعوا إذاعة صوت إسرائيل وخبرتها. تذكروا أغانى أم كلثوم وكبار المطربين بجودتها العالية، ولا تسألونى كيف وصلت والعلاقات الثقافية والسياسية فيما بيننا كانت مقطوعة!.
الآن هم يتوغلون داخل المجتمع المصرى. وأنا شخصياً أراقب ذلك ولدىَّ مخاوف عديدة من تأثرنا، ولكن فى داخلى فرحة لا أخفيها، مصدر هذه الفرحة أن هذه الخطوة الإسرائيلية العملاقة ينبغى أن تحرك أجهزتنا السيادية والتنفيذية، تحركها فى اتجاه صناعة إعلام قادر على المواجهة بدلاً من تواصل سحب الرصيد لصالح الغرباء. القنوات الإخبارية الكبرى، الجزيرة والعربية وسكاى نيوز والـ«بى. بى. سى» والـ«سى. إن. إن» وروسيا اليوم، لها جماهيرية أكبر من قنواتنا الإخبارية المصرية الفقيرة جداً. ويا ليت صانع القرار أو المالك ترك قنواتنا الضعيفة على حالها أو تستفيد من خبراتها التراكمية وتتوسع، لكنه لجأ إلى إغلاق بعضها والتضييق على فضائيات أخرى وإسكات مشاهير المذيعين. الأمر جد خطير هذه المرة، ويا ليت «الرئاسة» ومعها الأجهزة السيادية المتحكمة فى الإعلام تنتبه لهذه الخطوة الإسرائيلية الجديدة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع