بقلم - محمد السيد صالح
حضرت مؤتمر الشباب الأسبوع الماضى فى جامعة القاهرة. استفدت كثيراً من المناقشات التى جرت، وأتمنى المزيد من الإتاحة لأصوات مستقلة ولشباب مختلف. أتمنى تطوير جلسة «اسأل الرئيس». طالما هى الوسيلة الوحيدة للتواصل المباشر بين الشعب والرئيس، بعد غياب حوارات الرئيس سواء فى الصحافة أو على شاشة التليفزيون. فليتم التجهيز لها بشكل أفضل. نريد أن نقرأ كل الأسئلة التى وصلت. مع حجب الضعيف والمتجاوز فيها بالطبع. ولى اقتراح محدد أرجو أن يتم التعامل معه، خاصة أن عندى خبرة معقولة فى آلية التعامل مع مؤتمرات الشباب، وقد حضرت جميع دوراتها منذ انطلاقها فى شرم الشيخ. أتمنى أن تفتح بالترتيب كل الملفات الخدمية على الساحة.. يتم تكليف شباب البرنامج الرئاسى أو «أكاديمية الشباب» بالنزول إلى الشارع ليبحثوا فى أزمات المرور والنظافة، ويزوروا المجتمعات العمرانية الجديدة. شقق الإسكان الاجتماعى التى يقال إن خدماتها سيئة. يتم تكليفهم بالنزول للعشوائيات لينقلوا صورة كاملة للرئيس وللرأى العام.
هناك عشرات الموضوعات المُهمة والملحة التى يمكن مناقشتها، طالما لا توجد فرصة لعرض قضايانا السياسية العامة، أو المرتبطة بالحريات والأحزاب، فلنركز فى تلك الأشياء المفيدة. الوزراء لا يعملون بشكل مثالى إلا «بتوجيهات الرئيس». فما بالكم لو أن الرئيس كان هو بنفسه صاحب التوجيه والاقتراح وعلى الملأ وأمام الرأى العام.. بسرعة حل إحدى هذه المشاكل الطاحنة!. شبابنا داخل مصر وخارجها لديهم أفكار ومشاريع متكاملة للتخلص من القمامة، على سبيل المثال، أو نظافة الشوارع، أو ترشيد المياه، لماذا لا يقدمونها من خلال مؤتمرات الشباب؟ّ!. الملاحظة الأخيرة هنا أن أفكار المسؤولين كانت أكثر بكثير من أفكار الشباب فى هذه الدورة بالتحديد. هناك شىء ما تغير فى كواليس المؤتمر وطريقة إعداده. أتمنى عودة الحيوية للدورات المقبلة.
الرئيس و«ذوو الاحتياجات»
الاهتمام الرئاسى بـ«ذوى الاحتياجات الخاصة» ينبغى أن نبرزه ونشجعه إعلاميًا، أرى أن تغطية فعاليات المؤتمر والمعرض الدولى لذوى الاحتياجات الخاصة، الذى حضره السيد الرئيس، كانت تستحق مساحات لا تقل عن التى شغلها مؤتمر الشباب. بعض الصحف والفضائيات استضافت أو تحدثت مع بعض الموهوبين من ذوى الاحتياجات وتقدموا بابتكارات أو اختراعات فى المؤتمر، لكن ذلك لا يكفى. كثيرون لا يعلمون أن نسبة «ذوى الاحتياجات الخاصة» هى فى حدود 15 إلى 20% فى أى مجتمع سليم. نسبة عالية منهم بـ«إعاقات عقلية» فى صور مختلفة بين تراجع فى «نسب الذكاء» وصولاً إلى ما يطلقون عليه «تربية فكرية». المؤتمر الذى شرفه الرئيس بالحضور ركز فى المقام الأول على المتفوقين والعباقرة من أصحاب الإعاقات الجسدية، رغم أنه كان من بين الحضور نسبة ليست بالقليلة من «ذوى الاحتياجات الخاصة».
وأنطلق من الاهتمام الرئاسى، وأؤكد له أن حقوق هذه النسبة الضخمة جداً ضائعة، ومطلوب اهتمام متزايد بهم. أدعوك سيدى الرئيس لأن تكلف أحداً من مساعديك أو مستشاريك بأن يعد لك تقريراً متكاملاً مشفوعًا بمسح ميدانى عن أوضاع مدارس التربية الفكرية. كان بعض رجال الأعمال يتكفلون بمدارس بعينها فى القاهرة والمحافظات، ولما تعثروا أو تغيرت اهتماماتهم ظهرت المشاكل والمآسى. أتذكر تحقيقًا لزميلتى وصديقتى وفاء يحيى تعمقت فى الموضوع، وكان موضوعًا إنسانيًا مبكيًا.. ليتها تعود لنفس الملف مع اهتمام الرئيس بهذه «الفئة الرائعة». اقتربت بشكل شخصى من مأساة اسمها «الدمج فى المدارس». وأقول بكل صراحة إنها «أكذوبة». لا تصدق سيدى الرئيس أن لدينا دمجًا يوازى المعمول به فى أنحاء العالم، ولا يقل فى حال من الأحوال عن الأنظمة الموجودة فى الولايات المتحدة وأوروبا. قد يقول وزير التعليم لكم ذلك. لا تصدقه يا سيدى الرئيس. أنت تثق فيه وفيما يقوله عن «تطوير المناهج الدراسية»، أما هذه المسألة فهو غير مُطلع عليها. هناك قرار وزارى يتم تطويره كل فترة عن دمج التلاميذ فى مستوى ذكاء منخفض، وبالتحديد عند معدل ذكاء (70- 80) درجة. هذا القرار لا يُنفذ على الإطلاق، سواء فى المدارس العامة أو الخاصة. الأهالى يعانون ولا يعرفون حقوقهم، ومسؤولو إدارات التربية الخاصة غير مؤهلين لعملهم، رغم أن أقسام علم النفس فى الجامعات المصرية مليئة بالأساتذة والخبراء.
هم يستمتعون بتعذيب الناس. أدعوك سيدى الرئيس لأن تكلف أحدا من مكتبكم ليتحقق من صدق كلامى. فقط، يراقب أو يشارك أحد أولياء الأمور لابنه من ذوى الاحتياجات وهو يتقدم لأى مدرسة. أما عن المناهج المتخصصة لهم، أو المدرسين المؤهلين وصولاً للامتحانات، فحدّث ولا حرج. منظومة فاسدة جداً وبلا ضوابط. لقد اطلعت على ما تقدمه الدول المتقدمة، وكذلك دول خليجية لـ«ذوى الاحتياجات». دخلت مصانع كاملة يديرونها بالكامل فى أوروبا. لدينا عشرات من الرسائل العلمية المليئة بالأفكار الرائعة لنقل هذه التجارب الناجحة وبما يتناسب مع بيئتنا. اهتمامك سيدى الرئيس بـ«ذوى الاحتياجات» محمود، ولكن مطلوب استمراره وتفاعله مع الواقع الصعب جداً. وأنتم قادرون على التغيير.
«أبى أحمد» و«الصحابة»
هل قال رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد حقًّا فى مؤتمر «منظمة بدر الإسلامية» فى فيرجينيا، ومعظم أعضائها من الإثيوبيين المسلمين: «إن عدد المسلمين فى بلده يفوق عدد المسلمين فى دول الخليج»، وإننا فى «الحبشة» أول من آوى صحابة الرسول، وأول مؤذن فى الإسلام حبشى، وإن «إثيوبيا الجديدة» ستكون قائمة على بسط الحريات والديمقراطية ونشر قيم السلام بين كل مكونات المجتمع.. وأقول لكم ما قاله الخليفة أبوبكر الصديق للمسلمين: «إذا أحسنتُ فأعينونى وإذا أخطأتُ فقومونى»؟!. عندى شك فى دقة الترجمة لهذا اللقاء، رغم أنه منشور فى أكثر من موقع كبير وجميعها منقول من موقع «إثيوبيا بالعربى»، لكن الثابت عندى أن هذا الرجل مختلف، وعلينا أن نراقبه، وإذا ثبت صدق مواقفه فعلينا أن ندعمه. خطاب الرجل واضح، لديه منهج فكرى محدد. براجماتى إلى حد كبير. مواقفه تجاه إريتريا والصومال والسودان وصولاً لمصر والخليج تؤكد ذلك. اقترابه من الولايات المتحدة لافت للغاية. علينا أن ننتبه لذلك. وعلينا أن نكمل طريقنا فى التقارب مع إثيوبيا ومع إريتريا فى نفس الوقت. لدينا فريق عمل رائع فى القرن الأفريقى، خاصة من رجال الخارجية فى سفارات هذه الدول. أعرف بشكل شخصى السفير ياسر هاشم سفيرنا فى أسمرة. هو مثال لتعمق مصر وتداخلها فى كل التفاصيل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى عاصمة إريتريا. علاقاته الدافئة تمتد من الرئيس آسياسى أفورقى إلى المستويات العادية فى الشارع. لدينا تواجد محترم ومؤثر للجهات السيادية والشركات العملاقة بطول الشاطئ هناك. ننسق مع السعودية والإمارات فى هذا الشأن. بقى فقط أن أقول إن «الحبشة» التى وصل إليها الصحابة الأوائل وذكرها «أبى أحمد» تقع معظمها فى إريتريا. وهناك مسجد فى ميناء مصوع يطلق عليه «مسجد الصحابة» هو أول مسجد بُنى فى الإسلام، حين عبر الصحابة الأوائل فى هجرتهم قبل هجرة المدينة المنورة البحر الأحمر من الغرب إلى الشرق. «الحبشة» حينها كانت تضم كلا من إثيوبيا وإريتريا وجيبوتى والصومال.
زرت المسجد قبل ستة أشهر تقريبًا، خلال زيارتى الصحفية أنا والزميلة والصديقة سمر إبراهيم إلى هناك. علينا أن ندرك هذه الحقيقة التاريخية والجغرافية كما هى، وكما أدركها «أبى أحمد» مؤخراً. وللعلم فإن الحكام المصريين، ابتداءً من حتشبسوت حتى محمد على والخديو إسماعيل والرئيس عبدالناصر، أدركوا هذه الحقيقة. أرى الآن سياسة عاقلة ومحترمة وقوية تجاه القرن الأفريقى ووادى النيل، وعلينا الاستمرار فى ذلك.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع