بقلم - محمد السيد صالح
تفاعل كثير من القراء والزملاء على وسائل التواصل الاجتماعى وعلى موقعنا، أو بشكل مباشر مع ما كتبته الأسبوع الماضى حول فشلنا فى توظيف الرياضة سياسيًا رغمًا عن سعى الدولة الحثيث لذلك لأنها لم تأخذ بالأسباب، سواءً على الطريقة الغربية الحديثة أو الطريقة الشمولية الشيوعية التى نجحت فى الدول الشرقية من قبل. وقرأت أفكاراً عديدة حول ضرورة عودة فصول الموهوبين رياضيًا أو الاهتمام بالحافز الرياضى أو عودة الروح للمدارس الرياضية، أو توظيف كشافين يجوبون البلاد بحثًا عن مواهب حقيقية. لكن شغلنى أكثر هذا الأسبوع وأنا أرى انهيارنا التام فى روسيا بلا روح ولا حافز، مع تراجع غير مسبوق فى أكثر من ميدان سواءً على المستوى السياسى أو الاقتصادى وبالطبع الرياضى، أن أبحث عما هو أشمل. وقلت لنفسى: لماذا لا تهتم الحكومة- ومن قبلها الرئاسة بالطبع- فى البحث عن وصفة جديدة لإسعاد الشعب كله. المزاج الجمعى للمصريين محبط تمامًا ويقترب من الانهيار. أسعار مرتفعة ومرتبات لا تزيد. إعلانات استفزازية عن مدن جديدة وسلع لا تخاطب إلا فئة محدودة للغاية. أخطاء سياسية وتضييق على الحريات، واستمرار الأزمة مع الإرهاب. النظام السياسى يعول كثيراً على شرعيته الدستورية.
«الرئيس السيسى هو المنقذ الذى تحمل عبء المخاطرة ليخلصنا من الإخوان»، لكننا الآن أمام إدارة دولة بموارد لا نهائية ومسؤوليات كبرى تتطلب عملاً مؤسسيًا لا يشعر به الشعب حاليًا.
ليتنا ننتبه إلى أن تراكم الأخطاء الصغيرة يقود دائمًا إلى كوارث كبرى. وأن البحث عن الكفاءات فى هذا البلد سهل وميسر. فى كل جامعة وإدارة حكومية أو خاصة توجد مواهب. لدينا رموز ونجوم متألقة فى العالم كله، ليتنا نستعين بهم بحثًا عن حلول عملية، وليتقدموا الصفوف بدلاً من عودة الوجوه القديمة المكروهة. ليت الحكومة تبحث عن هذه الروشتة لإسعاد الشعب، ولو بالتدريج.
لا أتحدث عن حل استعراضى باختيار وزير أو وزيرة للسعادة، بل أتحدث عن حلول عملية ولو بطيئة لما يغضب الشعب. ولى نصيحة مبدئية فى هذا الشأن وهى متعلقة بضرورة ابتعاد الوسائل الدعائية غالية التكلفة وضعيفة القيمة والتأثير عن هذا المشهد. لا أريد خطابًا تخويفيا للشعب، وبأننا فى مأمن من الإرهاب أو «أننا أفضل من سوريا والعراق». الدول لا تنهض بشعب خائف أو مسلوب الإرادة. انتهى واقعيًا تأثير الدعاية الشبيهة بمنهج «جوبلز» فى أرجاء العالم إلا فى مصر، وأعتقد أنه لا يليق بنا فى مصر بعد ثورتين عظيمتين، بل لا يليق بالرئيس السيسى وما يؤمن به. لدىَّ أفكار عديدة- ولدى الجميع بالطبع- حول إسعاد الشعب، وهى أفكار بسيطة وجاهزة، قد أعود إليها، وهى فى كافة الأنشطة. ليت مؤتمر الشباب القادم يخصص دورة مستقلة لها.
المضاربة بالعقارات
سألتنى زوجتى ونحن نمر بسيارتنا على الطريق الساحلى أسفل لافتة ضخمة تحمل اسم «مدينة العلمين الجديدة»: هل سيكون سعر المتر فى هذه المنطقة بثلاثين ألفًا كما قيل، وهل ثمن الشقة التى لا تتجاوز مساحتها المائة متر فى حدود ثلاثة ملايين جنيه. الطريق فى هذه المنطقة سيئ للغاية وملىء بالحفر، وبالطبع خفضت السرعة لهذا السبب، وأيضًا لكى أتأمل وأبحث عن إجابة من الواقع لتساؤل زوجتى: لماذا هذه الأسعار، وهل هى تنافسية، ومن يستطيع فى مصر أن يشترى بهذا السعر، وهل هناك مبالغة حقيقية من وزارة الإسكان ومن الشركات التى تبنى العمارات الفندقية، وهل تمت دراسة الأسعار فى المنطقة المحيطة، أم هى رغبة من القائمين على الأمر لخلق منافسة سعرية مع العقارات الفاخرة فى دبى وبعض المنتجعات الآسيوية ومنطقة الكاريبى؟. ثم سألت نفسى وقد خرجت من هذه الإشكالية السعرية إلى بُعد آخر وهو أن سوق العقارات والمضاربة فى الاراضى هو الوحيد المزدهر فى مصر حاليًا. لدينا موت إكلينيكى مفتعل لمعظم المصانع العملاقة والمتوسطة والصغيرة، ولا توجد خطة حكومية حقيقية لإنقاذ هذه المصانع. ولأن هناك ازدهارا فى سوق العقارات فقد سعت الطبقة الوسطى للاستثمار فيه.
الملايين سواءً فى الداخل أو الخارج قرروا المضاربة فى العقارات، لكن ما نراه الآن استفزاز صريح. هناك إصرار على «حلب» الطبقة الوسطى إلى آخر مدى. هذه الأسعار استفزازية، وتتم بمباركة حكومية، بل إن وزارة الإسكان دخلت على خط التملك والمتاجرة فى العقار الفاخر سواءً فى العاصمة الإدارية أو فى العلمين الجديدة، وباقى المدن الجديدة فى الطريق. ألا يخشى القائمون على الأمر من أزمة اقتصادية مثل التى شهدتها دبى وشرق آسيا وكان عنوانها الرئيس «التقدير غير المناسب لقيمة العقارات والمبالغات التمويلية لها».
والبعد الآخر ومن خلال تجربة ذاتية مع «كومباوندات» القطاع الخاص بهذا المجال فقط. فى مصر، فإنها تكون أقل جودة ونظافة وتنظيمًا من أى إسكان شعبى أو اجتماعى فى أوروبا وأمريكا، بل فى دول الخليج. أى أن الدولة غابت عن دورها، والذى نجح هو القطاع الخاص فى تقديم حياة شبه كريمة فى مجتمعات مغلقة. الآن الحكومة بأجهزتها وهيئاتها دخلت لمزاحمة القطاع الخاص للمتاجرة والمزايدة على التهام كل ما تبقى فى جيوب الطبقة الوسطى. أتمنى ألا يكون رئيس الحكومة مصطفى مدبولى مهتمًا فقط بهذا. عليه الانتباه وقد احتفظ بحقيبة الإسكان، أن الأسعار الفلكية فى العاصمة الإدارية والعلمين ظهرت فى نفس الأسبوع الذى بدأ فيه مهمته. عليه التركيز عمليا، وليس بالتصريحات فقط «بأننا نراعى محدودى الدخل» وهم الغالبية الكاسحة من المصريين. هؤلاء لا مكان لهم فى كل هذه المشروعات الجديدة، على الأقل حتى كتابة هذه السطور.
سير العظماء
كان لى هذا الأسبوع حديث طويل وشيق مع شخصية وطنية ورائدة فى الإدارة الإعلامية سواءً فى تليفزيون الدولة أو الفضائيات الكبرى فى مصر أو فى العواصم العربية. خرجت من هذه الجلسة بمعلومات وأسرار لم أكن لأحلم بها وهى خاصة وليست للنشر حاليا. لكن ما سأكتبه هنا فقط وقد علمته من هذا الصديق، أنه كان هناك بالفعل مشروع لمسلسل تليفزيونى طويل عن سمير الإسكندرانى، وأن المغنى الوطنى صاحب البطولات هو الذى سعى بالقصة الأولية له لدى «قطاع الإنتاج» كذلك «مدينة الإنتاج». لا أعرف بالطبع، هل حصل الإسكندرانى على موافقات «المخابرات العامة» أم لا، ولكن هى معلومة حصلت عليها وأنا أكتبها هنا. وجاءت كتعقيب على ما نشرته الأسبوع الماضى. وأكرر فى هذا السياق أنه ينبغى لنا أن نعيد إنتاج أعمال درامية كبرى حول أبطالنا وبطولاتنا الكبرى. الأمم تبحث عن مصادر قوة، تنقب فى التاريخ بحثا عن بطل ولو أسطورى. ولو صنعه خيال المبدعين. راجعوا الشخصيات الأمريكية فى الأفلام الكبرى. لدينا هنا العشرات من أصحاب الملاحم الوطنية صالحة للنشر والتحول إلى دراما. نحتاج إلى رموز ناعمة يقتدى بها أولادنا بدلا من المفروضة عليهم حاليًا.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع