بقلم - محمد السيد صالح
الفقى وخميس
الدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية، زار المركز الثقافى المصرى فى لندن الأسبوع الماضى مرتين، فى المرة الثانية، ألقى محاضرة مهمة عن المرحلة الثقافية الجديدة لمصر ودور مكتبة الإسكندرية، الذى خطف الأنظار فيها جملة واحدة أصبحت الأشهر على مواقع «التواصل الاجتماعى»، وهى «الشعب المصرى كان مدللاً على مدى ثمانية عقود بسبب سياسات الدعم المتبعة». الزيارة الأولى كانت بصحبتنا- نحن سبعة من الصحفيين والإعلاميين المصريين- التقوا رموز الجالية المصرية بدعوة من المستشارة الثقافية الدكتورة ريم بهجت، والقائم بأعمال السفير نرمين الظواهرى، وبفكرة المهندس محمد فريد خميس، رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية. الفقى، وفى بداية اللقاء الذى جرى فى قاعة رائعة تطل منها عراقة ورائحة الحقبة الملكية، قال وبصوت عال موجهًا كلامه لى: هنا يا محمد عاش اثنان من الذين كتبت عنهم كتابين. الملك فاروق عاش هنا حينما كان وليًا للعهد لوالده الملك فؤاد عام 1935، وكان عزيز باشا المصرى رائد الأمير، قائد الرحلة ودليله، يعلمه التقاليد العسكرية والملكية الرفيعة صباحًا، وأحمد حسنين باشا يدلِّـله فى المساء فى المسارح ودور اللهو. يقول الفقى أيضًا إن هذا المبنى تم تجديده مؤخراً بعد أن بعثت الحكومة البريطانية رسالة قوية لمصر بأنه صار أثراً وعليكم ترميمه وإلا سنتولى نحن ذلك، فسارعت مصر لترميمه بتكاليف اقتربت من ثمانية ملايين جنيه إسترلينى.
لقاء الجالية كان مفيداً للغاية. تعرفت فيه على قصص نجاح محترمة. طلبت من الزملاء ومن دبلوماسيى السفارة إعداد قاعدة بيانات متكاملة عن الجالية، خاصة العلماء والرموز فيها. كانت لدى وزارة التعليم العالى نواة لهذه القاعدة من قبل. هناك خلط لاحظته خلال المناقشات بين دور الصحفى ودور السياسى. أكدنا لرموز الجالية أننا صحفيون فقط وسنكتب عن مطالبهم وأزماتهم. وسأعود إليها فى مرات مقبلة. لفت نظرى خلال اللقاء، كلمة المهندس فريد خميس، الذى ركز فيها على أهمية التعليم لبناء الأمم، وهو محور ركز عليه اجتماع مجلس أمناء الجامعة البريطانية، الذى انعقد فى لندن أيضًا بمشاركة رموز عالمية ومصرية.
خميس روى حكايته مع مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الحالى، وكيف أن هذه العلاقة تمتد لسنوات سابقة، وأنه أعطى الأولوية لتطوير التعليم فى بلده، خاصة لمدارس الموهوبين، وكيف عمل على تأجيل الإنفاق على المرافق الأساسية لسنوات حتى يوفر الإنفاق المناسب لتطوير التعليم، وهو ما جعل ماليزيا قوة اقتصادية وعلمية فى وقت سريع.
«الحرية للجميع»
أحسست بحالة من الذهول، ثم الرفض، لهذا التماهى والمبالغة والتعاطف من جهات رسمية وتجارية وأمنية مع المسيرات المساندة لـ«المثلية الجنسية» فى اليوم العالمى للتضامن معهم، فى لندن يوم السبت الماضى. الوزارات، حتى السيادية منها، المحال الكبرى- رفعت إعلام «الرنبو» فوق مبانيها. عمدة لندن المسلم صادق خان شارك فى جزء من المسيرات. لكنى وجدت بعداً آخر فى هذه المسيرات، وهو تقديس الحرية أيًا كانت عقيدة الفرد وخياراته، بشرط عدم الإضرار بالآخرين وحرياتهم وعقائدهم الخاصة. لمحت مشهداً فى أحد ميادين لندن لمجموعة من الشباب المسلم وهم يقومون بالدعوة للمارة من كل الجنسيات والأعمار. وكانت أمامهم نسخ مجانية مترجمة من القرآن الكريم. قلت لصديقتى الدكتورة داليا الشيخ: أريد الحصول على صورة الداعية المسلم مع واجهة محل شهير وقد تزين بعلم الرنبو. وتذكرت ما حدث معى حينما كنت أقيم فى هامبورج قبل عشرين عامًا تقريبًا، وكنت أحرص على صلاة الجمعة فى مسجد كبير قرب محطة القطار الرئيسية، وكان مدخل العمارة الموجود بها المركز الإسلامى به مجموعة من محال «الأدوات الجنسية»، ومن الدارج هناك أن تتجمع فئات معينة من النساء أمام مثل هذه المحال، وكان المنظر غريبا بعض الشىء، خاصة عقب صلاة الجمعة، حين يتجمع الخارجون من الصلاة مع الواقفات أمام المبنى، لكنها الحرية واحترام القانون. لا أدعو لهذا المستوى فى مصر بالطبع، لكن على الأقل لنبدأ الخطوة الأولى فى تعليم مبادئ الحريات العامة واحترام الحرية الشخصية.
«حوار صحفى»
أعتقد أنه لو جلس رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب مع نقيب الصحفيين فى برنامج حوارى جاد، وبمشاركة نواب وسياسيين وأكاديميين وصحفيين، ودار حوار ممتد حول مشروع قانون الصحافة الجديد لقَلَّت مساحة الخلاف بين الطرفين. كل الآراء تخرج الآن «أحادية»، بيانات قوية من نقابة الصحفيين، بيان استقالة حاد وقوى أصدره الصديق أبوالسعود محمد اعتراضًا على تمرير القانون، تصريحات متكاملة ومقنعة من الزميل أسامة هيكل، رئيس اللجنة، حول أهمية المشروع، وأن من يرفضونه لم يقرأوه جيداً، وأنه لا تراجع عن مادة تشكيل «الجمعيات العمومية للصحف القومية». والنقطة الأخيرة قرأتها فى حوار لهيكل فى «اليوم السابع»، واقتنعت بها إلى حد كبير، ولذلك أدعوه هو والنقيب والزملاء الصحفيين رافضى القانون للجلوس معًا فى لقاء مفتوح أو أكثر، وليحكم الرأى العام على صدق ومنطق كل طرف. نقاط الخلاف محددة، لكن ما أخشاه أن يخرج هذا القانون وهو مرفوض من النقابة ومن الأسرة الصحفية. التاريخ لن يرحم حينئٍذ مجلس النواب ولا أسامة هيكل. ناقشوا النقاط الخلافية أمام الرأى العام، وبشفافية. لا نريد قانونًا مثاليًا، ولكن نريده مقنعًا ومتطابقًا مع الدستور. لا تجعلوا ممارستكم وأسماءكم عرضة ليتهكم عليها الباحثون فى التاريخ الصحفى وفى العلوم الإنسانية فى الداخل والخارج. من منا لا يذكر التجارب الليبرالية والمضيئة فى العالم كله، وبالطبع لا ننسى كل نظام قمعى وديكتاتور كبل الحريات والصحافة بأسماء وذرائع مختلفة. بالطبع لا نريد أن يكون مصيرنا هكذا.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع