ألحت على عقلى قصص التجارب الاقتصادية الناجحة عالميًا وأنا أقرأ سيلاً من التقارير والتعليقات عن المعجزة الفيتنامية مع زيارة رئيسها لمصر. قرأت أيضًا أكثر من تقرير عن الصين وتحولها من دولة فقيرة وضعيفة إلى قوة تزاحم الولايات المتحدة اقتصاديًا، بل تتفوق على جميع الدول الأوروبية. وسألت نفسى: لماذا لا نلجأ إلى تجارب هذه الدول، ونطلب دعمهم الحقيقى.. نستعير منهم عدداً من الخبراء الناجحين الذين ساعدوا فى تحول بلادهم؟!. القطاع الخاص يفعل ذلك. السعودية تلجأ لهذا الأسلوب فى الشركات الحكومية.
شركة «نيوم» العملاقة التى تقترب باستثماراتها الفلكية من شواطئنا، يخطط لها ويديرها مجموعة من الخبراء الأجانب. كلهم من خارج «المملكة» تقريبًا. الإمارات وقطر، بل كل دول الخليج، تفعل ذلك. لماذا لا نقلدهم، ولو على طريقة مدربى كرة القدم الأجانب. سمعت من مسؤول رفيع فى الهيئة الاقتصادية لقناة السويس أنهم فكروا فى هذا الإجراء.. وهو استقدام قيادات حققت نجاحات فى «الموانئ»، خاصة فى سنغافورة والصين، ولكن هذه الفكرة تعثرت بعد ذلك. نلجأ لخبراء الهيئات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولى وصندوق النقد الدولى فى المشورات المالية وطلب المعونات فقط. الدول الكبرى تلجأ لهذه الهيئات ولأكاديميين ناجحين لمساعدتهم فى التخطيط الاقتصادى.
صناعة فكرة ناجحة أفضل من التعب والشقاء وراء مشروعات قديمة وفاشلة.
أعرف بشكل يقينى أن «الإمارات» حاولت مساعدة شقيقتها الكبرى وحليفتها «مصر» من خلال أفكار وبرامج للمستقبل. وأن مكاتب استشارية وأكاديمية غربية مشهودا لها وضعت خططًا رائعة، لكنها لم تعرف طريقها للتنفيذ. كان هناك نوع من الحساسيات السياسية لدى بعض صانعى القرار، لدينا من تقبل «الأفكار» الإماراتية. فتم تجميدها، وفضل شركاؤنا وأصدقاؤنا الإبقاء على علاقاتهم السياسية الدافئة والمخلصة، وجمدوا ورقة «الأفكار الاقتصادية»!.
قرأت هذا الأسبوع أن الزعيم الصينى الراحل «دينغ شياو بينغ»، مهندس نهضة الصين الحديثة، بعد أن نجح فى مسعاه لدى «الحزب الشيوعى» باعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادى وتوسيع مجالات الملكية الخاصة عام 1978، لجأ إلى إحدى الجامعات الإنجليزية الشهيرة ليطلب أستاذاً فى الاقتصاد يساعد بكين فى هذا التحول الاقتصادى، وأن أستاذاً وحيداً وافق على هذه «المغامرة»، وكان بريطانيًا من أصل عراقى، والذى حقق مع «بينغ» معجزة اقتصادية غير مسبوقة.
قرأت أيضًا أن الزعيم الصينى لجأ إلى هذا الخيار، رغم إيمانه بضرورة أن يكون الإصلاح صينيًا خالصًا، وأن على شعبه أن يقاسى فترة من الزمن حتى يتحقق الرخاء «على الشعب الصينى أن يعبر النهر بنفسه ليتحسس بأقدامه الحصى الموجود فى قاع النهر».
نعم.. تجربة وطنية، لكن استفادت من الخبرات الدولية. لذلك أسعدنى هذا الاحتفاء بزيارة رئيس فيتنام وتوقيع عدد من الاتفاقات مع هذه الدولة الواعدة. لكنى أريد أن أصدق أننا على نفس الطريق الذى تسير عليه فيتنام. مصانع دولية عملاقة تستثمر هناك. ومصانعنا الوطنية تغلق أبوابها. يحققون صادرات زراعية فى حدود 40 مليار دولار سنويًا، ونحن نخنق مُصدرينا. التنمية لن تتحقق بإنشاء المدن الجديدة واكتشافات البترول والغاز فقط.
المطلوب أجندة عمل متكاملة. ونحن لدينا الرغبة فى الانطلاق. ما ينقصنا المفكر الاقتصادى.
«توجيهات الرئيس»
هل صحيح أنه صدرت تعليمات إلى الوزراء وكبار المسؤولين بعدم زيارة الفضائيات والصحف من أجل إجراء حوارات من داخل هذه «الوسائل»، والمسموح فقط إتمام حوارات مسجلة داخل مبنى الوزارة.
لا أدرى دقة ما سمعته، لكنها معلومات وصلتنى بالتواتر، وبأكثر من صيغة. وقد تكون وراءه فلسفة معينة، أو هو قرار مؤقت وسيتم صدور تعليمات جديدة فيما بعد.. لا أعلم.
الذى أعلمه أكثر من ذلك، وعن يقين أن كثيراً من الوزراء لم يعد يهمهم التواصل مع الرأى العام. يهمهم فقط من هو فى الأعلى. عادت مجدداً جملة «وفقًا لتوجيهات الرئيس»، وأنا أعلم أن الرئيس برىء من ترديد هذه الجملة وما وراءها من سلوك تمامًا. هو يريد أداءً ناجحًا للحكومة وأعضائها ولكل أجهزة الدولة، لأن هذا جزء من نجاحه العام.
الرئيس هو قائد وزعيم لكل البلاد بشعبها وحكومتها، المسؤول الأول، لكنه ليس متخصصًا فى الأمور الفنية التى تخصص فيها كل وزير. هو عسكرى ناجح وسياسى جرىء، لكنه لن يدرك- ونحن معه- أن وزير الصحة السابق- على سبيل المثال- ظل يُسمعه ويُسمع رئيس الوزراء- ونحن كذلك- كلامًا رائعًا ومقنعاً عن جاهزية الوزارة لتنفيذ قانون التأمين الصحى، وأن الانطلاقة ستكون رائعة ومدوية من محافظة بورسعيد. بالطبع، عندما اختاروا هذه المحافظة الغنية الجميلة كانوا يدركون أنها محافظة صغيرة وبها بنية أساسية مناسبة. مستشفيات متميزة وعدد سكان أقل. لكن مع اقتراب الموعد وخروج الوزير انكشفت الصورة. المستشفيات غير مستعدة.
قال لى مسؤول تنفيذى رفيع فى إطار اعتذاره عن سحب المخصصات الحكومية التى كانت قد اعتُمدت لمستشفى بلدنا. قال: «لا تسأل»، الآن معظم ميزانية وزارة الصحة ذهبت لمستشفيات بورسعيد بعد أن ثبت أن الوزير السابق لم يصدق فيما قاله عن جاهزيتها.. رغم أن هناك وعداً رئاسيًا وجدولاً زمنياً لتنفيذ التأمين الصحى.
وزير التجارة والصناعة السابق، أيضًا، سمعت منه كثيراً، وأمام الرئيس، عن عدد المصانع المغلقة وآلية إعادة افتتاحها ومساعدة المتعثر من أصحابها، وعن المصانع المتكاملة أو «تسليم مفتاح»، سمعت عن تسهيلات فى مجال الاستثمار، بعد إقرار القانون الجديد، لكن مشاكل المستثمرين مازالت كما هى. النظافة والمرور والمياه يتراجع مستواها. كثير من المسؤولين لا يتحركون سوى بتوجيهات الرئيس فقط، يركزون أكثر على زيارات الرئيس الميدانية. تحس وكأنك انتقلت إلى مدينة أخرى، من حيث النظافة والنظام والخدمات العصرية.
ليس هذا هو الحل. أن يذهب الرئيس إلى كل الأماكن فيتم رفع مستواها. نريد إدارة عصرية، مخلصة، تعرف طبيعة المهام الملقاة على عاتقها، ولا تنتظر توجيهات أو تعليمات الرئيس.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع